صحيفة اللوموند
27 حزيران 2013 بقلم بسمة قضماني، مديرة مركز مبادرة الإصلاح العربية (Arab Reform Initiative)، وشاركت في تأسيس المبادرة من أجل سورية الجديدة
إن
المعاناة من رؤية تشويه الحقيقة، تُضاف إلى المأساة الإنسانية التي يُعاني منها
السوريون. يواصل نظام بشار الأسد تخصيص جزء كبير من موازنته للدعاية الإعلامية
المضللة التي تستهدف بشكل خاص الدول الغربية. إنه يعمل على إشاعة الخوف، بسبب عدم
قدرته على الحصول على دعم الدول الغربية. تقوم روسيا والصين بشلّ مجلس الأمن حول
المسألة السورية منذ سنتين عبر استخدام حق النقض، ويقوم النظام بشلّ قرارات الدول
التي تُسمى بأصدقاء سورية عبر التلويح بالفزاعة "الإسلامية".
يُكرر الأوروبيون والأمريكيون منذ أكثر من عام: "تسليم
أسلحة؟ نحن مستعدون للقيام بذلك، لو كنّا نعرف فقط إلى من سنرسلها!".
يمكن
القول على الأقل بأن هذا الجدل بدأ بشكل سيء. لا يجب الدوران حول طبيعة المساعدة،
بل حول هوية المستفيدين منها. إذا لم يكن هناك إلا المتطرفين في سورية، كما يدّعي
النظام، فلماذا إرسال المساعدة لهم مهما كان نوعها، وحتى لو كانت غير قاتلة؟ لا
تستطيع أوروبا والولايات المتحدة والدول التي تُسمى بـ "أصدقاء
سورية" القيام بسياسة منسجمة بدون تحديد واضح للشركاء
الذين تراهن عليهم من أجل المستقبل. من أجل القيام بذلك، يجب أولاً الاعتراف بوضوح
ببعض الحقائق.
عندما
تقوم إحدى المجموعات بحمل السلاح، يجب عليها أن تحصل بأي ثمن على الذخيرة والطعام
لمقاتليها الذين يواجهون الموت. بسبب عدم قدرتهم على الإنفاق على كتائبهم، يواجه
ضباط الجيش السوري الحر غالباً تخلّي قواتهم عنهم التي تنضم إلى المجموعات الأكثر
راديكالية لأنها أكثر غنى. ثم يجب الاعتراف بأن غياب الموارد أثّر على إستراتيجية
الجيش السوري الحر. إن عمليات التفجير والهجمات الانتحارية ضد المواقع العسكرية
والأمنية أصبحت الوسيلة الوحيدة للتقدم في حرب غير متكافئة، وهذا هو المجال الذي
يتفوق به الجهاديون. إنهم في نهاية المطاف سلاح بحد ذاتهم. في داخل هذه الحرب غير
المتكافئة، هناك اختلال آخر في التوازن بين الكتائب التي تُمولها جهات إسلامية،
وبين الكتائب التي قاومت هذا الإغراء.
هناك
الكثير من الكتائب التي لم توافق على التمويل الإسلامي، ولديها جذور داخل المجتمع:
تخضع بعض هذه الكتائب لإشراف ضباط ليست لهم أية عقيدة سياسية، وينتمي بعضهم الآخر
إلى تيارات سياسية يسارية أو يمينية، وهناك ضباط غير مسلمين في صفوفهم. هناك كتائب
أخرى تتألف من بعض السكان الذين قاموا بتنظيم أنفسهم على الصعيد المحلي دون أي
انتماء سياسي. أظهرت دراسة تجري حالياً أن مثل هذه الكتائب موجودة في كل مكان.
إن
العمل على توحيد صفوف الجيش السوري الحر بدون توفير الوسائل اللازمة للكتائب
الديموقراطية، يُهدد بترسيخ سيطرة الكتائب الإسلامية. من المؤكد أن جبهة موحدة
ستفرض نفسها في مواجهة النظام. إذا حصلت القوات الديموقراطية على الوسائل اللازمة،
فستكون بوضع يسمح لها بالتعاون على قدم المساواة مع الإسلاميين، بدلاً من أن تكون
تحت رحمتهم. لا شك أن تأسيس المجلس العسكري الأعلى يُشكّل تقدماُ، ولكن رئيسه سليم
إدريس يعترف شخصياً بأن هذا المجلس ليس إلا هيكلاً للتنسيق، وأن قادة القيادة
العسكرية العليا هم الذين يتواصلون مع الكتائب على الأرض.
أعلنت مؤخراً مجموعة من الضباط الأعضاء في
القيادة العسكرية العليا لهيئة الأركان عن تشكيل جبهة السوريين الأحرار. تم
الإعداد لهذه الجبهة خلال أكثر من ثلاثة عدة أشهر، ووضعت نفسها بشكل واضح تحت سلطة
المجلس العسكري الأعلى. تضم هذه الجبهة حوالي مئة كتيبة ومجموعة مُنتقاة بعناية،
ووقعوا على الإلتزام بسلوك يحترم الاتفاقيات الدولية في مجال حماية حقوق الإنسان،
وأعلنوا انضمامهم إلى سورية ديموقراطية وتعددية. تضم جبهة السوريين الأحرار حوالي
عشرة آلاف رجل، وتفتخر بأنها تضم في صفوفها عناصراً من مختلف الأقليات، ومنهم قادة
بعض الكتائب. تعهدت هذه الجبهة بالخضوع
لسلطة مدنية، واحترام تسوية سياسية، وفرض احترام وقف إطلاق نار. تقرّب إلى
هذه الجبهة، منذ الإعلان عنها في نهاية شهر أيار، آلاف المقاتلين الذين يريدون
الانضمام إليها. إنها تتمحور حول مبادىء مشتركة، ولكن ينقصها كل شيء: ابتداءاً من
الطعام لعائلات المقاتلين إلى المعدات العسكرية المتطورة.
إن
إعلان الدول الغربية عن نيّتها بتسليح المتمردين، يُوفّر أخيراً الوسائل اللازمة
لقوات الثورة لإيقاف تقدم جيش النظام وحلفائه: حزب الله وإيران والعراق. ولكن
عملهم سيذهب إلى أبعد من ذلك، لأنهم سيكونون في موقف يسمح لهم بالتحرك على عدة
مستويات: أولاً، على مستوى دول المنطقة لكي تُبلغهم أن تمويل التيار الإسلامي
يُخيف عدداً متزايداً من السوريين، ويُؤخر سقوط الأسد. ثانياً، على مستوى الكتائب
نفسها من أجل تعزيز الكتائب التي تحمل المشروع الديموقراطي. أخيراً، على مستوى
الدول التي ما زالت تحمي النظام، وفي مقدمتهم روسيا، لإقناعهم بأن الدول الغربية
تمتلك سياسة حقيقية تجاه الأزمة السورية، وذلك في الوقت الذي يُهدد فيه غياب العمل
الحاسم بهزيمة لا يمكن إيقافها لجميع مجتمعات الشرق الأوسط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق