صحيفة
الليبراسيون 21 حزيران 2013 بقلم الأستاذ الجامعي للتاريخ المعاصر في الشرق
الأوسط جان بيير فيليو Jean-Pierre Filieu
يعرف
المؤرخ أكثر من غيره أن قادة اليوم لم يتعلموا من دروس الماضي. ولكن الغموض يبلغ
أحياناً قمة المأساة. يقوم باراك أوباما بتطبيق سياسة مشؤومة في سورية، وأساء فهم
حرب العراق والرئيس بوش. إن الهاجس الحالي للرئيس الأمريكي هو عدم تكرار الأخطاء
القاتلة لسلفه في العراق عام 2003. بهذا الشكل، يُكرر باراك أوباما الأخطاء التي
ارتكبها جورج بوش الأب في العراق عام 1991. لنتذكر أنه تم إخراج قوات صدام حسين من
الكويت خلال هجوم بري استمر خمسة أيام، وتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين
الجنرالات الأمريكيين والعراقيين، وأكد هذا الاتفاق أن استخدام الأسلحة الكيميائية
سيكون ذريعة لشن الحرب. رفعت أغلبية الأراضي العراقية راية الثورة ضد صدام حسين،
وصدّقت رسالة الحرية القادمة من الولايات المتحدة. ولكن كوماندوس الدكتاتور سحقت
التمرد بالدم، وقتلت عشرات الآلاف، واستخدمت الأسلحة الكيميائية.
كانت
سياسة بوش الأب تنفي آنذاك استخدام الأسلحة الكيميائية، لأن الاعتراف بذلك سيُجبرها
على استئناف الحرب ضد صدام. كان الدكتاتور العراقي يبدو حينها أقل الشرور
بالمقارنة مع التمرد الذي يُنظر إليه كدمية تتلاعب بها طهران . ولكن مهما كان رأي
المُحللين الإستراتيجيين في واشنطن، وصلت حكومة مؤيدة للإيرانيين إلى السلطة في
بغداد بعد عقدين من الحظر والحرب والاحتلال وعمليات التفجير.
يعتقد باراك أوباما أنه واقعي، ولكنه يُفكّر
بشكل أسوأ من جورج بوش الأب. بذلت الإدارة الأمريكية قصارى جهدها لإخفاء البراهين
حول استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل مجرمي بشار الأسد. بالتأكيد، كان استخدامها
محدوداً في سورية بالمقارنة مع العراق عام 1991. ولكن ديناميكية "الدولة
البربرية"، حسب وصف
المأسوف عليه ميشيل سورا Michel Seurat لنظام الأسد، ستقود إلى استخدام متزايد أكثر فأكثر لغاز الساران.
فيما
يتعلق بالفزاعة الجهادية، فإن مهمتها في سورية تشبه مهمة الفزاعة "المؤيدة
لإيران" في العراق قبل عشرين عاماً. لقد تم اختزال ثورة
وطنية وشعبية إلى تدخل خارجي: التدخل الإيراني في العراق سابقاً، وتدخل دول الخليج
في سورية حالياً. إن مثل هذا التضليل يُغذّي خطاب النظام الدكتاتوري، ويُمثل أرضاً
خصبة للمتطرفين الذين يُفترض مُحاربتهم، ويُبرر رفض تقديم الدعم الفعلي للقوات
الثورية. قام بوش الأب بتسليم العراقيين إلى جلادي صدام، وقام ابنه بتسليمهم إلى
عملاء إيران. إن تخلّي باراك أوباما عن السوريين إلى جلادي بشار الأسد، يفتح
الطريق أمام أسوأ كابوس جهادي.
أسهبت وسائل الإعلام بالحديث عن "التحوّل"
الأمريكي، ولكنه لم يكن إلا مهزلة مؤسفة أخرى. ماذا نقول عن هذا الموظف البسيط في
البيت الأبيض (بن رودس، مساعد مستشار الأمن القومي توم دونيلون) الذي أعلن عن
الموقف الأمريكي تجاه موضوع بهذه الخطورة بدلاً عن الرئيس الأمريكي؟ بماذا نُفكّر
عندما نسمع الإعلان عن تسليم الأسلحة عبر وسائل الإعلام في الوقت الذي يستمر فيه
القصف على الأرض بلا هوادة؟ كيف يمكن الوثوق بإدارة ترفض مُقدماً الأسلحة المضادة
للطائرات، في الوقت الذي تقوم فيه الطائرات والطائرات المروحية للأسد بإشاعة الرعب
في المناطق التي تُسيطر عليها الثورة؟
تخلّى العالم بأسره عن حمص المتمردة التي
اجتاحها الذعر والخوف من الطاغية. اليوم، يقوم عملاء النظام القتلة بتجميع قواتهم
لدفن الثورة في حلب. لا يجب أن تسقط حلب عاصمة النساء والرجال الأحرار في سورية.
إنه أمر لا يتعلق بضميرنا فقط، بل بأمننا أيضاً. لأن حلب هي الأرض الخصبة لـ "سورية
الأسد" التي سيُولد فيها الوحش القذر. إذا استمر باراك
أوباما في هذا الخطأ القاتل بالنسبة للسوريين، يجب على فرنسا أن تكبر بنفسها وتتحمل
مسؤولياتها كقوة عظمى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق