صحيفة الفيغارو
10 حزيران 2013 بقلم بيير رازو Pierre Razoux، مدير معهد الدراسات الإستراتيجية
في المدرسة العسكرية (IRSEM)
انشغل
الأوروبيون بالأزمة السورية، ونسيوا أن حل هذه الأزمة ربما سيعتمد على مساومة مع
طهران. ستكون مهمة الرئيس الإيراني القادم، بغض النظر عن اسمه، العمل من أجل تطبيع
العلاقات مع الولايات المتحدة، هذا التطبيع الذي كان مستحيلاً أثناء حكم أحمدي
نجاد. إذا صدّقنا ما يقوله بعض المُقربين من النظام، أصبح المرشد الأعلى مُقتنعاً
بأنه لم يعد هناك خيار آخر غير تطبيع العلاقات بين طهران وواشنطن. ربما أقنعه
مستشاروه بفعالية العقوبات الاقتصادية والأعمال السرّية ضد البرنامج النووي. أدرك
الجميع في طهران أن الوقت ليس لصالح إيران، وأنه من الضروري الإسراع بإخراج إيران
من العزلة، وجذب الاستثمارات الخارجية للاستفادة من الاحتياطيات الغازية والنفطية
الهائلة.
لم
ينس علي خامنئي الفترة المؤلمة أثناء نهاية الحرب الإيرانية ـ العراقية، عندما قرر
آية الله الخميني حينها إنهاء حربه ضد صدام حسين بعد أن أصبحت صناديق الجمهورية
الإسلامية فارغة، وكانت الولايات المتحدة تستعد للتدخل مباشرة ضد إيران بعد
الإهانة التي تعرّض لها الجيش الإيراني أثناء معركة جوية ـ بحرية واسعة. لم يكن
هناك أي هامش للمناورة أمام السلطة الإيرانية آنذاك، واحتاج الاقتصاد الإيراني إلى
عشر سنوات للنهوض من جديد.
يُفضل القادة الإيرانيون اليوم التفاوض مباشرة
مع الولايات المتحدة، باعتبار أنهم ما زالوا يملكون هامشاً للمناورة. لا يعني ذلك
إطلاقاً إقامة علاقات صداقة مع واشنطن، بل فقط علاقات عملية تسمح بإستئناف
العلاقات الدبلوماسية ورفع العقوبات الاقتصادية وإيقاف العمليات السرية والحصول
على ضمانات أمنية وجذب رؤوس الأموال. يستوجب هذا التطبيع بالتأكيد مساومة كبيرة
حول فرض رقابة دولية على البرنامج النووي الإيراني. إذا حصل الرئيس الإيراني
الجديد على موافقة المرشد الأعلى، بإمكانه قبول هذه الرقابة الدولية دون أن يظهر
بأنه "خان القضية"، في حال حصوله بالمقابل على مواقف ملائمة للمصالح
الإيرانية.
يبدو
أن هذه الإرادة بالتطبيع موجودة أيضاً لدى باراك أوباما الذي قام مؤخراً بتوجيه
رسالة شخصية إلى المرشد الأعلى، بلهجة ودية، من أجل إبراز مزايا هذا التطبيع الذي
سيسمح بتهدئة الأزمات الإقليمية في الشرق الأوسط. يعرف الرئيس الأمريكي أن سياسة
الانفتاح تجاه إيران ستكون رابحة في جميع الحالات، لأنه إذا رفضت إيران اليد
الممدودة، سيكتفي حينها بمواصلة إستراتيجية الاحتواء الحازمة التي تتصف بعدة مزايا
مثل: تعزيز هيمنة واشنطن على ممالك الخليج النفطية، مع إقناعها بشراء المزيد من
الأسلحة بشكل تستفيد منه مصانع الأسلحة الأمريكية. إن الهمّ الوحيد بالنسبة للرئيس
الأمريكي هو تجنب الانجرار إلى نزاع مسلّح مع إيران. إذاً، ربما سيحاول خصوم
الولايات المتحدة جرّها إلى ذلك.
إن
هذا التطبيع المرغوب لعدة أسباب، يواجه ثلاث عقبات هي: أولاً، مزاودة إيرانية مرتبطة بتغيّر سياسي مفاجىء (وفاة
المرشد الأعلى، مظاهرات جديدة، اعتراض حرس الثورة...). ثانياً، اعتراض الكونغرس
الأمريكي الذي يواصل حملة انتقاد ممنهجة للمبادرات التي يتخذها الرئيس الأمريكي.
ثالثاً، المعارضة المُعلنة من قبل إسرائيل والسعودية اللتان تخشيان من هذا
السيناريو الذي سيُضعف مواقفهما الإقليمية. حتى ولو ما زال هذا التطبيع بعيد
المنال، ألم يحن الوقت لكي يُفكّر الأوروبيون بنتائج مثل هذا التطبيع؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق