صحيفة الفيغارو
24 حزيران 2013 بقلم تانغي بيرتوميه Tangy
Berthemet
كانت
أبيدجان، العاصمة الاقتصادية لساحل العاج، على حافة الانفجار بنهاية عام 2004،
عندما ارتفعت حدة التوترات السياسية بين الرئيس لوران غباغبو وفرنسا إلى أعلى
درجة. نزل أنصار الرئيس إلى الشارع، وسادت الخشية من نهب المدينة. ظهر شباب بيض
ومُلتحين بأغلب الأحيان ومُسلّحين بشكل سرّي حول بعض المستودعات والشركات الكبيرة
والمطاعم التابعة للجالية اللبنانية. لا يتكلم أيّ منهم اللغة الفرنسية، ويتكلمون
اللغة العربية فقط. قال أحد المقربين من الرئيس آنذاك مُبتسماً دون إظهار أي شعور
بالقلق: "إنهم أشخاص من لبنان، وجنود من حزب الله، جاؤوا
إلى هنا لحماية ممتلكات إخوانهم".
مرّت
هذه الأحداث بدون إثارة الانتباه، ولكنها سمحت برفع الغطاء قليلاً عن إحدى
الشائعات الأكثر تكراراً في القارة حول العلاقات التي تربط بين اللبنانيين في
إفريقيا ولبنان، ولاسيما مع حزب الله. إن هذه الحركة الشيعية لا علاقة لها
بإفريقيا من الناحية الرسمية، وتعتبرها الولايات المتحدة بأنها إرهابية، وتتمنى
فرنسا منذ فترة قصيرة إدراج الجناح العسكري لهذه الحركة على لائحة الاتحاد
الأوروبي للمنظمات الإرهابية. برزت التساؤلات الأولى في نهاية الثمانينيات وبداية
التسعينيات، قال عضو سابق في أحد أجهزة الاستخبارات الغربية: "كانت
هناك في ذلك الوقت مراقبة فعلية على حزب الله التي كان في طور الولادة في جنوب
لبنان. لاحظنا أن بعض قادته كانوا يختفون فجأة عن شاشات الرادار، وكنّا ننتظر عدة
أشهر وأحيانا عدة سنوات للعثور عليهم من جديد. كانوا مُختبئين في دول غرب
إفريقيا". كانت مفاجأة كاملة. تتساءل أجهزة الاستخبارات
الغربية بعد مرور عشرين عاماً فيما إذا كانت دول غرب إفريقيا قد أصبحت إحدى مصادر
التمويل الأساسية لحزب الله عبر تجارة المخدرات وقاعدة خلفية فعالة. ولكن هناك
العديد من الأسئلة التي ما زالت قائمة.
على الرغم من ذلك، لا يختبىء اللبنانيون في دول
غرب إفريقيا. يُشكّل اللبنانيون من داكار
إلى أبيدجان، ومن لاغوس إلى لواندا، جالية مرئية ومزدهرة وقديمة. كم يبلغ عددهم؟
تُشير التقديرات إلى أن عددهم يبلغ حوالي 300.000 مغترب لبناني في إفريقيا، من أصل
خمسة ملايين لبناني في العالم. تقول الأسطورة أن أول مهاجر لبناني وصل إلى القارة
السوداء كان مارونياً اسمه إلياس خوري يونس، ووصل إلى نيجيريا عام 1882 هرباً من
الخدمة العسكرية التي يفرضها الاحتلال العثماني. ثم وصل بعده لبنانيون أخرون لكي يُجرّبوا
حظهم. خلال سنوات العشرينيات، وإثر المستوطنين الفرنسيين، أقام اللبنانيون في
السنغال وغانا (التي كانت تابعة لبريطانيا حينذاك) وساحل العاجل. لقد نجحوا في
داكار وغيرها، وتحولت أعمالهم التجارية قليلة الربح التي كان المستوطنون يُهملونها، إلى ذكريات. برهن
اللبنانيون اليوم على نجاحهم في جميع القطاعات مثل المصارف والإستيراد والتصدير
والعقارات والمهن الحرة والمحاماة والطب والهندسة...
تسبب
هذا النجاح ببعض الغيرة، وأصبح اللبنانيون كبش الفداء السهل، وتم تحميلهم مسؤولية
الانقلابات السياسية والفساد والمشاكل بشكل عام. هناك نكتة شائعة في أبيدجان
تُلخّص كل شيء: إن جزءاً كبيراً من سكان ساحل العاجل مُقتنعون بأن "اللبناني"
ليس جنسية بل مهنة. قال أحد الفرنسيين المتحدرين من عائلة لبنانية عريقة في داكار:
"الجالية مُعقدة. لا يمكن
تلخيصها بسهولة. إن أغلبهم يعيشون في إفريقيا منذ ثلاثة أو أربعة أجيال، واستطاعوا
الاندماج حتى ولو حافظوا على العلاقة مع البلد الأم. لم يعد هناك قادمون جدد، أو
أصبح عددهم قليلاً جداً، ويجب الانتباه إلى عدم خلط الأمور بشكل خاطىء".
قال أحد التجار الشيعة الكبار في أبيدجان شيئاً مشابهاً على الهاتف: "يتعرض
اللبنانيون للاتهام دوماً. بالتأكيد، نحن نحافظ على العلاقة مع لبنان. من الممكن
أن يقوم البعض بإعطاء القليل من المال إلى حزب الله، ولكن من أجل المساعدة، وليس
من أجل الإرهاب. كما أن حزب الله يُشارك في البرلمان اللبناني...".
لم يُنكر هذا الرجل بشكل كامل وجود حزب الله في القارة، وأصبحت البراهين أكثر
صلابة في الفترة الأخيرة.
يعود
أولى هذه البراهين إلى عام 2003. تحطمت إحدى الطائرات عند إقلاعها من كوتونو إلى
بيروت، وقُتِل أكثر من مئة شخص جراء الحادث، ثم تم العثور في حقيبة أحد الضحايا
على مليوني دولار نقداً. لم يتم البرهان على صحة هذه الحكاية بشكل كامل. قال
الباحث في معهد السياسة والإستراتيجيا Institute for
Policy and Strategy في إسرائيل إيلي كارمون Ely Karmon: "هذه
الحكاية صحيحة. هذا المبلغ هو ثمرة عملية جمع الأموال في إفريقيا بأكملها من قبل أحد
أعضاء حزب الله"، واعتبر أن الحركة اللبنانية قامت
ببناء شبكة للمانحين في إفريقيا خلال التسعينيات. وأضاف هذا الباحث: "لا
شك أن الناشطين الحقيقيين عددهم قليل جداً. إنهم يتقربون أولاً من الفقراء،
ويجذبونهم بخطابهم. ثم تم جرّ الأغنياء الذي يتبرعون طوعاً أو تحت الإكراه. إنه
ليس أمراً جديداً. إنها الأساليب نفسها التي يستخدمها الانفصاليون الباسك
والكورسيكيون". في الوقت نفسه، تسللت الحركة إلى
التجارة، ولاسيما تجارة الألماس في سيراليون والكونغو، إنه عالم غامض جداً. وهنا ظهر
اسم علي إبراهيم الوطفة للمرة الأولى، إنه مواطن من سيراليون، ويُشتبه به حالياً
بأنه أحد الممولين الرئيسيين للحركة مع
أحد اللبنانيين في كينشاسا. ظهر اسم هذا الأخير في تقرير للأمم المتحدة حول
نهب الموارد المعدنية في جمهورية الكونغو الديموقراطية.
ظهر
سريعاً أن هذه التبرعات غير كافية. أكد أحد المتخصصين في الاستخبارات الغربية
قائلاً: "بعد الحرب الثانية مع إسرائيل عام 2006، كان حزب
الله بحاجة إلى المال، ولم تكن طهران تُعطيه المال الكافي. كما كانت طهران بحاجة
للأموال بسبب العقوبات الاقتصادية". وهكذا اتجهت
الحركة نحو إفريقيا وتجارة المخدرات. نفي علي فياض، أحد نواب حزب الله، أي تورط
لحزبه في تجارة المخدرات، ووصف هذا الاتهام بأنه "دعاية
أمريكية مُضللة". لأن الولايات المتحدة بدأت الآن
بالتحقيق عن كثب حول نشاطات حزب الله في القارة، وقامت بتوسيع تحرياتها بعد شعورها
بالقلق أكثر فأكثر من الأهداف النووية لإيران ومن الوضع في سورية.
نشرت
إدارة أوباما في شهر شباط 2011 تقريراً يتهم المصرف اللبناني Lebanese Canadian Bank بكونه غطاء لتجارة الكوكايين. تحوم التحريات حول نظام واسع تأتي
فيه المخدرات من فنزويلا والمكسيك، وتمر عبر دول غرب إفريقيا، ثم تتجه إلى أوروبا.
أشار الأنتربول إلى أن الجاليات الشيعية على جانبي المحيط قامت ببناء وضمان فعالية
هذه العمليات. أظهر التحقيق أن تبييض الأموال يتم بفضل تجارة السيارات المستعملة
التي يتم شراؤها من الولايات المتحدة، وبيعها في إفريقيا، وبفضل الشركات الإفريقية
التابعة للبنانيين، ولاسيما في قطاعي صرف العملة والألماس. أكد الأمين العام
للأنتربول رونالد نوبل Ronald Noble منذ عام 2009 أن حجم هذه المبالغ يبلغ "حوالي
عشرات ملايين الدولارات، وأنه تم استخدام شبكة تهريب المخدرات لتمويل حزب الله والقوات
المسلحة الثورية في كولومبيا (الفارك ـ FARC)".
منذ ذلك الوقت، تم إغلاق العديد من مؤسسات الصرافة في بنين بشكل مفاجىء.
أكد
أحد عناصر الشرطة الفرنسية العاملين في دول غرب إفريقيا قائلاً: "يستفيد
المهربون من ضعف الشرطة والمؤسسات والمصارف المركزية في إفريقيا للعمل والبقاء
فيها. ولكن ذلك لا يتعلق باللبنانيين فقط. هناك أيضاً الكثير من الأفارقة
والأوروبيين الذي لا يهمهم إلا المال". وهذا ما
أظهرته العمليات التي قامت بها الوكالة الأمريكية لمكافحة المخدرات DEA، ولاسيما عبر
الفخ الذي أوقع بالرئيس السابق للقوات البحرية في غينيا بيساو Bubo Na Tchuto. بالمقابل، فشل رجال الوكالة الأمريكية لمكافحة المخدرات في القبض
بالطريقة نفسها على أحد رجال الأعمال اللبنانيين في أبيدجان. لم يتراجع الضغط
الأمريكي. نشرت وزارة الخزانة الأمريكية في بداية شهر حزيران، وللمرة الأولى،
لائحة بأربعة لبنانيين مُتهمين بتنظيم "جمع الأموال
وتجنيد أشخاص" لصالح حزب الله. يعتبر الأمريكيون ذلك
إشارة إلى تصميم حزب الله على بناء شبكة تمويل دولية.
قال
إيلي كارمون: "إنه الجزء المرئي فقط من جبل الجليد. إن الذي
تظهر ملامحه وراء حزب الله هو إيران، الأمر الذي يترافق مع خطر إرهابي حقيقي ضد المصالح
الإسرائيلية والغربية في إفريقيا". واعتبر أن
الدليل على ذلك هو إدانة شخص إيراني في نيجيريا بتاريخ 13 أيار بتهمة تجارة
المخدرات هو: عظيم أغاجاني Azim Aghajani التي تعرّض للاعتقال عام 2010 بسبب قيامه باستيراد 13 حاوية مليئة
بالأسلحة إلى لاغوس. لم تتم معرفة الجهة النهائية لهذه الأسلحة، ولكن جنوب ـ غرب
السنغال هو المكان الأكثر احتمالاً. تسببت هذه القضية بأزمة دبلوماسية بين داكار
وطهران. في شهر أيار، تم القبض على ثلاثة رجال أعمال لبنانيين في مدينة كانو Cano بشمال نيجيريا.
أشارت العاصمة النيجيرية إلى أنها عثرت في منازلهم على أسلحة لحزب الله، ولاسيما
الألغام المضادة للدبابات وصواريخ أر بي جي RBG وبنادق كلاشينكوف. تشتبه أجهزة
الأمن النيجيرية بأن هؤلاء الرجال الثلاثة يُشكلون "خلية
لحزب الله" مستعدة للعمل. جرت أيضاً عملية اعتقال غامضة لفترة
قصيرة في ساحل العاج لحوالي عشرة أشخاص بسبب الاشتباه بعلاقتهم مع حزب الله.
هل
أصبحت الحركة اللبنانية الشيعية على وشك الانتقال إلى مرحلة الفعل لحماية شبكاتها
الخاصة والشبكات الإيرانية؟ يريد الإسرائيليون تصديق ذلك، ولكن أوروبا أكثر
تشككاً. قال أحد المتعاونين الفرنسيين: "لا أحد
يشك بوجود حزب الله في إفريقيا، وهو يربح أمولاً طائلة فيها. ولكن الاعتماد على
ذلك لتصور أنه يحاول زعزعة منطقة، يُمثل خطوة كبيرة. في الحقيقة، لن يكون ذلك
لمصلحته، ولكن كل شيء ممكن".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق