الصفحات

الخميس، ٢٩ آب ٢٠١٣

(يجب ألا نستسلم لأوهام الحلول العسكرية السريعة)

صحيفة الفيغارو 29 آب 2013 بقلم رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان Dominique De Villepin

     أجمع العالم على إدانة ارتكاب المجازر بالغاز في سورية. لن تكون هناك سياسة أسوأ من عدم القيام بأي شيء. ولكن أسوأ ما يمكن حصوله هو اتباع سياسة تؤدي إلى إضافة الحرب إلى الحرب دون أي برهان مُقنع ودون استراتيجية. إن تصميم الرئيس هولاند وشركاءنا يستحق الثناء، ولكن ماذا نريد بالضبط؟ العقاب؟ إنه ليس دور الجيش، بل دور المحكمة الدولية. هل نريد إراحة ضميرنا؟ إن ذلك يهدد بمفاقمة وضع المدنيين، وسيكون موقفاً متعالياً. هل نريد تغيير النظام؟ ليس من حقنا اتخاذ هذا القرار، ولاسيما مع غياب بديل يتمتع بالمصداقية.
     إن حماية المدنيين هي المهمة الأولى للمجتمع الدولي. يجب أن تكون الحماية موضوع النقاش الوحيد. يفترض ذلك التفكير بالتجارب السابقة. إن إستراتيجية الدول الغربية في الشرق الأوسط هي مأزق مبني على وهم القوة، وأدنت ذلك مراراً. تتأرجح هذه الإستراتيجية بين الحرب ضد الإرهاب والحرب ضد الحكام الدكتاتوريين، إنها تريد أن تجعل من هذين الهدفين هدفاً واحداً، ولكنها تعلمت أن ذلك لم يكن ممكناً. أدى احتلال العراق إلى تغذية الإرهاب بدون نهاية. أدت العملية في ليبيا بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تسليح جميع الجهاديين في الصحراء الإفريقية، وكانت السبب في حرب آخرى في مالي. لا تتوقف الحلقة المفرغة هنا. بسبب قلقنا من الإسلاموية في مصر، سمحنا بحصول انقلابات جديدة تمثل دوماً أرضية خصبة لطغاة المستقبل. يجب أن نستخلص دروس اللجوء إلى القوة. لقد انهارت الدولة في ليبيا والعراق وأفغانستان، وتزعزع استقرار المنطقة.
     هناك فخ آخر، هو إضعاف النظام الدولي المبني على المبادىء الإنسانية المشتركة. هذا هو النقاش منذ حرب العراق بين ما هو قانوني وما هو شرعي. من جهة، هناك النظرة المتعالية لأولئك الذين يدافعون عن القانون بدون شرعية مثل الروس والصينيين، وهذا يعني العودة إلى ما قبل عام 1945. من جهة أخرى، هناك الجانب المثالي المشتبه به لأولئك الذين اختاروا الشرعية بدون قانون، فخلقوا بذلك مبادىء آخلاقية تُهدد مبادىء العمل الذي يقومون به. ولكن ما العمل؟
     يبدو أن الوضع السياسي معرقل بسبب عدم وجود مبادرات سياسية. لقد دُفِنَ مؤتمر جنيف 2 لجمع الأطراف السورية والإقليمية، وذلك حتى قبل أن يبدأ بسبب اتساع حجم الجريمة المرتكبة. إن الطرفين لا يريدان الاتفاق، ومن غير المؤكد فيما إذا كانا قادرين على فرضه على مؤيديهم المتحمسين. يبدو أن الاتفاق بين الروس والأمريكيين أصبح أصعب من أي وقت مضى. إن طرق القوة كانت دوماً أسوأ الحلول.
     إن الحملة العقابية الرمزية التي ترتسم ملامحها اليوم تحمل في طياتها الكثير من المخاطر والتصعيد الإقليمي بشكل يشمل لبنان وإيران وإسرائيل، دون أن يحقق ذلك الكثير من الفوائد للسوريين. إن مستقبل سورية بعد مغامرة عسكرية جديدة سيكون بدوره التقسيم العرقي وتقسيم الأراضي والمزاودات السياسية للأكثر راديكالية. ستتوقف سورية عن الوجود.
     إن إستخدام الطائرات بدون طيار للهجوم على الشخصيات المسؤولة عن المجزرة، سيكون استمراراً لمنطق إدارة أوباما حول الحرب ضد الإرهاب. ولكن هل يمكن أن نغتال المجرمين دون أن يؤدي ذلك إلى سقوط فكرة العدالة الدولية؟ هل يمكن القيام بهجوم واسع يهدف إلى تغيير النظام؟ لم يعد قادة الجيوش الغربية يعتقدون بذلك. هل يمكن اللجوء إلى الحرب بالوكالة عبر تسليح المتمردين بشكل أكبر؟ ولكن كيف يمكن معرفة الجهة التي ستُستخدم ضدها هذه الأسلحة مستقبلاً؟
     يبقى الحل الأخير، أي العمل ذو الهدف الإنساني الذي يمزج بين الوسائل العسكرية والسياسية لخدمة إستراتيجية طويلة الأجل مثل: الممرات الإنسانية والمناطق العازلة على الحدود وبشكل خاص مناطق الحظر الجوي باعتبارها الحل الوحيد لتجنب المجازر والتأكيد على مسؤولية الحماية من قبل المجتمع الدولي. سنتمكن من توفير ظروف التدخل الضروري للفصل بين القوات عبر تخفيض العنف.

     يجب أحياناً معرفة كيفية اتباع السياسة "الأقل سوءاً". يمكن ترجمة هذه السياسة عبر قرار في الأمم المتحدة بدعم من دول الجنوب، مع إعطاء تفويض بإقامة منطقة حظر جوي، أو حتى إنشاء قوة سلام دولية. أعتقد أن ذلك ممكن، وربما يوافق الروس بغض النظر عن الأسباب. سيوفر المجتمع الدولي لنفسه بهذه الطريقة فرصة أفضل لإستئناف المفاوضات السياسية التي وصلت إلى طريق مسدود اليوم، وذلك عن طريق ضم القوى الإقليمية: الجامعة العربية وتركيا وإيران وممالك الخليج. يجب ألا نستسلم لأوهام الحلول العسكرية السريعة التي ستزيد من مشاكل المنطقة. على العكس، يجب أن نختار طريق السلام والمسؤولية الجماعية. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق