الصفحات

الخميس، ٨ آب ٢٠١٣

(يجب على فرنسا أن تساعد سورية للخروج من الحرب)

صحيفة الفيغارو 8 آب 2013 بقلم وزير الخارجية الفرنسي الأسبق إيرفيه دوشاريت Hervé de Charrette

     تهدمت سورية بعد سنتين من الحرب الأهلية الضارية، وتدمرت المدن والقرى، وأصبح السكان مرهقين من شدة المعاناة وأبشع عمليات الترهيب من جميع الأطراف. كيف يمكن لفرنسا، القوة العظمى الأولى على المتوسط، والاتحاد الأوروبي المعني كثيراً بهذه المنطقة، البقاء في حالة الشلل التي نراها اليوم؟
     تغيّر الوضع كثيراً خلال سنتين، وفشلت أغلب التوقعات والاحتمالات الأولية. صمدت سلطة بشار الأسد على الرغم من النزاعات الداخلية فيها. أصبحت المعارضة منقسمة أكثر من أي وقت مضى بين العلمانيين والمعتدلين من جهة، والمتطرفين المتدينين من جهة أخرى. هناك حرب مفتوحة من الآن فصاعداً بين الجيش السوري الحر والحركات الجهادية. لم تعد إيران وحزب الله يُخفيان انخراطهما العسكري المباشر إلى جانب دمشق، في حين تخلت الولايات المتحدة وأوروبا عن دعم المتمردين فعلياً بعد أن أعلنتا سابقاً عن تقديم دعم عسكري لهم. أخيراً، أكدت روسيا بشكل واضح بعد الإهانة في ليبيا أنها لن تتنازل قيد أنملة. ولا ننسى اللعبة الخفية لإسرائيل التي نجحت بإقناع موسكو بعدم إرسال أسلحة إلى دمشق يمكن أن تهدد أمن إسرائيل.
     يبدو الوضع متجمداً. على الصعيد العسكري، تميل موازين القوى لصالح النظام، ولا يبدو أن المتمردين قادرون على تحقيق هدفهم بتغيير الوضع لصالحهم على الرغم من الاستعداد لمعارك أخرى. على الصعيد السياسي، حان الوقت للتحرك. المقاتلون منهكون، وحان وقت الدبلوماسيين والوسطاء والمفاوضين. في الوقت نفسه، هناك وضع عاجل لأن استمرار النزاع وغياب الآفاق يُخفي أخطاراً حقيقية على الصعيدين الإقليمي والدولي. إن اتساع الحرب خارج الأراضي السورية يُمثل تهديداً يجب أخذه على محمل الجد، كما يجب الشعور بالقلق من التطور العسكري لشبكات تنظيم القاعدة على الأرض. إذاً، يجب التحرك وبسرعة.
     بالتأكيد، هناك مشروع انعقاد مؤتمر السلام في جنيف. ولكن لن يذهب إليه أي طرف، إذا لم يتم طرح المسائل الأساسية المتعلقة بحل النزاع. وأقل ما يمكن قوله هو أنه لم يتم طرح هذه المسائل. تتعلق المسألة الأولى بإيران. يجب بالتأكيد الاعترف بإيران كطرف في مفاوضات السلام، بل ربما تكون أحد الأطراف الأساسية لأن إيران تملك مفتاح الوسائل السياسية والعسكرية التي تسمح لنظام بشار الأسد بالصمود. ولكن من أجل إغراء إيران، يجب دفع الثمن. إذاً، حان الوقت لبدء مفاوضات مُعمقة ومفتوحة مع الرئيس الإيراني الجديد حول جميع المواضيع المتعلقة بالدور الدولي لإيران.
     تتعلق المسألة الثانية التي يجب توضيحها بروسيا. تريد موسكو الاعتراف بها من الآن فصاعداً كشريك كامل في القضايا الكبرى بالشرق الأوسط. إنه أمر مشروع تماماً، ولا شيء يقول أن ذلك يتعارض مع مصلحة فرنسا. إذاً، يجب التفاوض مع الروس حول شروط السلام المدني في سورية.
     تتعلق المسألة الثالثة بالقضاء على تنظيم القاعدة كشرط مسبق. إن فرنسا في وضع يسمح لها بتقدير حجم أخطار بروز مثل هذه الحركة في سورية، وذلك بعد أن حاربتها بنجاح في مالي. إذاً، يجب اعتبار ذلك كأمر أساسي من أجل مصالحها الخاصة.
     تبقى المسألة المركزية وهي إنهاء الحرب الأهلية. يبدو أنه أصبح واضحاً بما فيه الكفاية أنه لا يمكن للنظام في دمشق ولا للإئتلاف الوطني السوري الأمل باحتكار السلطة بكاملها. في الوقت نفسه، ليس من السهل الحلم بنظام ديموقراطي وانتخابات حرة كما لو أنه لم يحصل أي شيء. إذاً، يجب التمسك ببناء حل يتضمن تقسيم الأراضي لعدة مناطق نفوذ والاعتراف بالوحدة المؤسساتية للبلد مع تقديم ضمانات دولية قوية. كل هذه الأمور غير مستحيلة.
     بدأت فرنسا خلال الأشهر الأخيرة بتغيير مواقفها الأولية بذكاء. إنها تعرف سورية تماماً منذ وقت طويل. إذاً، لا يمكن إلا التمني برؤيتها تلعب دوراً محورياً في الخروج من هذه الأزمة، وقد سبق لها القيام بذلك بنجاح.

     لن ننس شيئاً بالتأكيد. لن ننس أطفال درعا، ولا مجازر حمص، ولا مصائب حلب. ولكن ماذا نريد بالضبط؟ البقاء في راحة المبادىء المبسطة التي نؤكد عليها في أغلب الأحيان بشكل يدفع للاحتجاج عليها، ولو كان ذلك على حساب الشعب السوري؟ أو البحث في ظلام حرب لا تُطاق، عن طريق مقبول نحو السلام؟ الجواب يفرض نفسه بنفسه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق