الصفحات

الخميس، ٨ آب ٢٠١٣

(ثلاث أزمات مُختبئة في دول الخليج)

صحيفة الليبراسيون 7 آب 2013 ـ مقابلة مع الباحث المتخصص بالشرق الأوسط هوغو ميشرون Hugo Micheron ـ أجرى المقابلة ويلي لودوفان Willy Le Devin

     يبدو أن العديد المؤشرات الاقتصادية تُشير إلى أن دول الخليج مهددة بمواجهة أزمة اقتصادية بعد الدول الغربية. أشار تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في بداية الصيف إلى الآفاق الكئيبة لدول مجلس التعاون الخليجي. بلغ معدل النمو في هذه الدول 7.5 % عام 2011، ولكن توقعات معدل النمو بالنسبة لهذا العام تُشير إلى 3.7 %. يعود سبب هذا التباطؤ الشديد إلى أزمة متعدد العوامل في مجال العمالة وفي قطاع الطاقة. أكد صندوق النقد الدولي: "إن التحدي الذي تواجهه هذه الدول على المدى المتوسط الأجل هو تنويع اقتصادياتها واستيعاب الشباب الذين يتزايد عددهم بشكل سريع".
سؤال: تبدو اقتصاديات دول الخليج مُزدهرة من وجهة النظر الفرنسية. ولكنكم تعتبرون أنها بدأت تواجه صعوبات جدّية عبر ثلاث أزمات...
هوغو ميشرون: يجب التأكيد أولاً على أن دول الخليج الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي يُنظر إليهم غالباً عبر الموشور القطري. ولكن هذه الدول مختلفة جداً فيما بينها من وجهة النظر السكانية والغنى والاحتياطي النفطي. من جهة أخرى، هناك العديد من الخصائص المشتركة: البنى الاقتصادية الريعية ـ يُمثل النفط 60 % من الدخل القطري و90 % في السعودية ـ والاعتماد على اليد العاملة الأجنبية (أكثر من نصف سكان هذه المنطقة) والاستبداد السياسي والنزعة الدينية المحافظة. في الحقيقة، هناك ثلاث أزمات مختبئة في هذه الدول منذ فترة من الزمن. أولاً: أزمة على صعيد الطاقة: أصبحت دول الخليج خلال أقل من عشر سنوات أكثر الدول استهلاكاً للطاقة للفرد الواحد في العالم، وهي غير قادرة اليوم على تلبية نمو الطلب. الأزمة الثانية هي أزمة العمالة: لا تخلق دول مجلس التعاون الخليجي فرص عمل كافية لامتصاص اليد العاملة الجديدة التي تدخل سوق العمل. الأزمة الثالثة هي أزمة الموازنة: يجب على البحرين وعمان حالياً اللجوء إلى احتياطياتهما المالية لتمويل جزء من انفاقهما الهيكلي، وإذا استمرت السعودية بوتيرة انفاقها الحكومي الحالي، فمن الممكن تستنفذ احتياطياتها المستثمرة في الخارج في نهاية هذا العقد.
سؤال: ماذا تفعل هذه الدول لمواجهة الاستهلاك المتزايد للطاقة؟
هوغو ميشرون: ازدادت وتيرة الطلب على الطاقة في هذه الدول عشرة أضعاف مثيلتها لدى دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) خلال العقد الماضي. تتراجع قدرة دول الخليج على تلبية هذه الاحتياجات شيئاً فشيئاً، وتزايدت فترات انقطاع التيار الكهربائي في هذه الدول منذ عام 2009. هناك العديد من المشاريع الصناعية المُعلقة حالياً في دول الخليج، بسبب نقص الغاز اللازم لتشغيلها. في الوقت الحالي، ما زالت هذه الدول قادرة على توفير جزء من الطاقة اللازمة عبر اللجوء إلى أساليب مُكلفة وغير قابلة للاستمرار مثل حرق النفط الخام بدلاً من الغاز. ستواجه دول الخليج أزمة طاقة غير مسبوقة على المدى المتوسط الأجل، وهي غير مستعدة لمواجهتها. إن أحد الحلول المؤكدة هو إلغاء الإعانات المتعلقة بالطاقة ـ الطاقة الكهربائية مجانية في قطر على سبيل المثال ـ من أجل القضاء على التبذير في الاستهلاك. ترغب إمارة أبو ظبي بتطوير الطاقة النووية المدنية لكي تكون قادرة على تلبية احتياجاتها الحالية والمستقبلية من الطاقة. إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من التساؤلات العديدة حول إمكانية تنفيذ مثل هذا البرنامج نظراً للتوترات حول الطاقة النووية في الشرق الأوسط، فإن الطاقة النووية لا يمكن استثمارها في الإمارات العربية المتحدة قبل منتصف العقد القادم، وهو أفق بعيد جداً نظراً لأهمية المشاكل الحالية في التزود بالطاقة.
سؤال: هل سياسات التوظيف الواسعة في المؤسسات الحكومية كانت الرد الذي لجأت إليه هذه الدول لخنق حركات التمرد؟
هوغو ميشرون: لجأت الأنظمة الدكتاتورية في الخليج إلى سياسة توظيف السكان الأصليين منذ سنوات السبعينيات من أجل تجنب الاحتجاجات السياسية، وتعتمد هذه السياسة على المحسوبية. إن 94 % من اليد العاملة القطرية تعمل حالياً في المؤسسات الحكومية، ويصل هذا الرقم إلى 90 % في الإمارات العربية المتحدة و75 % في السعودية. تضاعف عدد سكان هذه المنطقة ثلاث مرات خلال ثلاثين عاماً، وأصبحت هذه السياسة مستحيلة: ستكون احتياجات العمالة ضخمة جداً (أربعة ملايين فرصة عمل بحلول عام 2030)، ولن تكفي موارد الموازنة للحفاظ على تشغيل 45 مليون نسمة، وذلك في الوقت الذي وصل فيه الجهاز الإداري إلى درجة الاشباع، وبغض النظر عن الموارد الجديدة التي تأمل هذه الدول بالحصول عليها عبر استثمارات صناديقها السيادية في العالم.
سؤال: إذاً، هل وصلت هذه السياسة إلى حدها الأقصى...
هوغو ميشرون: تواجه هذه المنطقة بالفعل النتائج السياسية الأولى لعدم وجود ضوابط اقتصادية في هذا المجال، ولم تعد هذه المنطقة بمنأى عن المطالب الاجتماعية. تشهد البحرين وضعاً اجتماعياً متوتراً منذ سحق التحرك  السلمي عام 2011 على الرغم من توظيف عشرين ألف شخص في المؤسسات الحكومية. تواجه الكويت أزمة سياسية كبيرة بسبب الاستقالات المتكررة للحكومة. كما تبرز مطالب اجتماعية قوية في الإمارات الأكثر فقراً في الإمارات العربية المتحدة وفي السعودية.
سؤال: هل تعرف هذه الدول البطالة؟ من هي الشريحة السكانية التي تعاني من البطالة؟
هوغو ميشرون: باستثناء قطر، يتراوح معدل البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي بين 10 و20 %. ولكن هذه الأرقام لا تأخذ بعين الاعتبار البطالة المقنعة. يعاني الشباب بشكل خاص من البطالة: إن ربع الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً هم بدون عمل، في حين أن هذه الفئة  العمرية من السكان تُمثل نصف عدد سكان هذه المنطقة. إن السعودية هي أكبر دول المنطقة من حيث عدد السكان وأكثرها شباباً (60 % من سكانها عمرهم أقل من عشرين عاماً) ومعدل البطالة لدى الشباب فيها هو الأكبر مع وجود حوالي ثلث الشباب الذين تقل أعمارهم عن 25 عاماً بدون عمل. لم تتوصل دول مجلس التعاون الخليجي إلى توفير ربع فرص العمل الضرورية لامتصاص اليد العاملة الجديدة في سوق العمل، وذلك على الرغم من جهودها لتنويع اقتصادياتها (استثمرت هذه الدول 2400 مليار دولار عام 2011، أي ما يعادل ضعفي إجمالي الناتج المحلي PIB في هذه الدول). ما زال عدد العاطلين عن العمل يزداد سنوياً. فيما يتعلق بالقطاع الخاص، إنه غير قادر على توفير فرص العمل الكافية، والرواتب التي يقترحها أقل بكثير من رواتب القطاع العام: إن راتب الموظف الحكومي في أبو ظبي على سبيل المثال أعلى بنسبة 700 % من راتب الموظف في القطاع الخاص.
سؤال: يبدو أن الوضع الاقتصادي في هذه الدول يعتمد على سعر برميل النفط. ما هي العتبة التي يبدأ بها اقتصاد هذه الدول بالتأرجح؟
هوغو ميشرون: خلافاً للفكرة الشائعة، إن اقتصاديات دول الخليج أكثر اعتماداً على النفط اليوم بالمقارنة مع الماضي. يرتبط ذلك بإنفاقها الكبير. تضاعف حجم الانفاق العام في السعودية على سبيل المثال أربع مرات منذ عام 1990، في حين تضاعف عدد سكانها مرتين، وازداد إجمالي الناتج المحلي PIB فيها ثلاثة أضعاف. إن سعر برميل النفط اللازم لضمان توازن الموازنة ما زال يرتفع سنوياً نظراً للتزايد الكبير في الانفاق الحكومي. أصبح سعر 120 دولار لبرميل النفط ضرورياً اليوم للبحرين وعُمان لتحقيق توازن الموازنة، وأصبحت هذه العتبة 85 دولار بالنسبة للسعودية والإمارات العربية المتحدة، و50 دولار بالنسبة للكويت وقطر. إذا كانت هذه المستويات تبدو منخفضة، فإنها تضاعفت مرتين منذ عام 2003. إذا انخفض سعر برميل النفط إلى أدنى من هذه المستويات، فإن دول الخليج ستلجأ إلى استخدام احتياطياتها لتمويل إنفاقها الجاري. لقد حافظ سعر برميل النفط على مستويات عالية منذ عام 2011 (حوالي 110 دولار)، ولكن سوق النفط يبقى متقلباً جداً: هبط سعر برميل النفط عام 2008 من 148 دولار إلى 59 دولار خلال أربعة أشهر. إن مثل هذا الانخفاض سيكون اليوم كارثياً على موارد دول مجلس التعاون الخليجي.
سؤال: تُراهن قطر، على سبيل المثال، على تنويع اقتصادها عبر بناء المدينة التعليمية (Education City) لاستقبال أفضل المؤسسات الجامعية العالمية. هل يمكن أن ينجح ذلك؟
هوغو ميشرون: إن المدينة التعليمية مشروع ضخم من المفترض أن يجذب المستثمرين والجامعات الأجنبية من أجل تحويل البلد إلى منطقة رائدة في مجال الابتكار والبحث الاقتصادي والعلمي. جاءت بعض المؤسسات الدولية الكبرى، ولكن ما زال الوقت مبكراً لتقويم هذه التجرية. هناك بعض المشاريع المشابهة في المنطقة: من المفترض أن تستقبل مدينة مصدر البيئية في الإمارات العربية المتحدة التكنولوجيا اللازمة في مجال الطاقة المتجددة، ولكن التقدم الذي حققته هذه المدينة المنتظرة عام 2016 كان متوسطاً. تم تخفيض موازنة مدينة مصدر بمقدار الربع عام 2010، وانتقلت تدريجياً من مدينة لا ينبعث منها غاز ثاني أوكسيد الكربون إلى مدينة ينبعث منها هذا الغاز "بكمية ضئيلة". على صعيد آخر، ظهرت المناطق التجارية الحرة في دول الخليج منذ عشر سنوات، وأهمها في جبل علي بإمارة دبي. إذا كان يبدو أن هذه المناطق الحرة حققت بعض النجاح، فإن الأغلبية الساحقة للشركات هي شركات أجنبية، ويُديرها أجانب، ويعمل بها الأجانب بشكل شبه كامل، وانتاجها من أجل الأسواق الأجنبية، وتُلبي طلبات المشاريع الأجنبية. إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من الخطابات المتفائلة حول هذا الموضوع، من غير المؤكد أن يتجنب مشروع المدينة التعليمية الطموح مثل هذه العقبات.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق