صحيفة
اللوموند 10 آذار 2013بقلم كريستوف عياد Christophe
Ayad
ولكن
كيف يصمد حتى الآن؟ كيف لم يتفكك نظام بشار الأسد تحت ضغط التمرد الذي أخذ
تدريجياً صفة التمرد المسلح في جميع أنحاء سورية تقريباً؟ وبالإضافة إلى ذلك، كان
التمرد مدعوماً سياسياً وعسكرياً من قبل الدول الغربية ودول الخليج وتركيا. لقد
خسرت سورية أهم شركاءها التجاريين والجزء الأساسي من حصيلة صادراتها (النفط
والفوسفات والقطن). إن خزينة الدولة فارغة، وانهارت الليرة السورية وارتفعت
الأسعار بشكل كبير. كما وصلت المعارك إلى حلب ودمشق...
على
الرغم من ذلك، ما زال بشار الأسد يعلن باستمرار وبثقة تشبه الإنكار أنه على وشك
سحق التمرد. هذا ما قاله مؤخراً في إحدى مقابلاته الصحفية النادرة مع الصنداي
تايمز على الرغم من تعرّض قصره لبعض القذائف المتفرقة. إن قدرة نظام السلطة
السورية على المقاومة ليست مفاجآة في هذه الثورة التي لا تشبه أية ثورة أخرى. قال
فابريس بالانش Fabrice Balanche، الأستاذ والباحث في جامعة ليون الثانية في فرنسا وعضو مجموعة
الدراسات والأبحاث حول البحر المتوسط والشرق الأوسط في بيت الشرق: "إنها ليست
مفاجأة إلا بالنسبة لأولئك الذين لا يعرفون النظام. إنه أكثر صلابة من نظام بن علي
في تونس ونظام مبارك في مصر أو نظام علي عبد الله صالح في اليمن. إنه ما زال
مقتنعاً بقدرته على الانتصار بالحرب في ظل عدم قدرته على تحقيق السلام".
إن
نظام الأسد مبني على المعركة أكثر مما هو مبني على الإزدهار والرفاهية. تظهر
قدراته بشكل أكبر في المحن، ولديه قدرة غير محدودة على تصدير مشاكله الداخلية
وتعبئة دعائمه الخارجية لحلها. ولكن الدعامة الأساسية للسلطة السورية هي الطائفة
العلوية قبل روسيا وإيران اللتان تدعمانها عسكرياً ومالياً، قال فابريس بالانش
الذي نشر عام 2006 كتاباً بعنوان (المنطقة العلوية والسلطة السورية): "حتى
ولو كانت الطائفة العلوية لا تُمثل إلا 10 % من السكان، فإنها تسيطر على الجيش
والأجهزة الأمنية".
إذا
نظرنا إلى ما هو أبعد من البعد الطائفي، يرتكز النظام أيضاً على حزب البعث الحاكم
منذ عام 1963 والذي أصبح قوقعة فارغة على الصعيد الإيديولوجي، ولكنه قادر على حشد
شبكات عملائه المفيدة في الأوقات الصعبة. أكد فابريس بالانش قائلاً: "وهكذا
تم تسريح بعض موظفي الدولة مؤخراً بسبب ضعف ولائهم، وتم استبدالهم بأطفال
البعثيين".
ما
زال العمل الحكومي أداة فعالة في انسجام النظام، فهو يضم ثلث السكان العاملين. كما
أن استمرار النظام بدفع رواتب موظفيه، ما زال يجعله أكثر قدرة على جذب المواطنين.
قال فابريس بالانش: "ما زال هيكل الدولة مستمراً بالعمل مثل طواحين الهواء،
ولكنه يوفر وهماً بأن الأمور طبيعية". إذا كانت الدولة السورية ما زالت قادرة
على دفع رواتب موظفيها، فإن الفضل بذلك يعود بشكل أساسي إلى إيران التي تساعد دمشق
مالياً ولاسيما عبر تزويدها بالوقود والكهرباء، وإلى روسيا التي تزودها بالأسلحة
مجاناً بواسطة الشراء بالدين. أخيراً، إن النظام مستمر بواسطة الخوف لأن عائلات
السفراء والوزراء وكبار المسؤولين هم رهائن داخل سورية.
إن
أغلبية الجنود في الجيش هم من السنة مثل المتمردين، ولكنهم تحت سيطرة الضباط
العلويين. من جهة أخرى، يسود الجيش روح الجسم الواحد الذي لا يحض على الانشقاق.
قال فابريس بالانش: "بالمقابل، قام النظام بإنشاء العديد من المليشيات المسلحة
داخل الأقليات الدرزية والمسيحية والكردية. يبلغ عدد عناصرها اليوم مئة ألف رجل
على الأقل. لقد اجتذب النظام الشباب العاطلين عن العمل، الذين قد ينضمون إلى
التمرد، مقابل بندقية كلاشينكوف وراتب ضئيل وحق النهب كما يحلو لهم". عندما
يرتكب عناصر هؤلاء الميليشيات أول عمل لهم، يعرفون حينها أنهم أصبحوا مجبرين على
الاستمرار مثلهم مثل جلادي النظام.
العامل الأخير في انسجام النظام هو انقسام
المعارضة ـ بين العرب والأكراد، العلمانيين والإسلاميين، الإخوان المسلمين
والماركسيين ـ وعمليات التفجير التي تبث الرعب لدى جميع أولئك الذين ما زالوا يترددون وينظرون إلى الفوضى في مصر
وتونس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق