الصفحات

الأحد، ١٧ آذار ٢٠١٣

(في تركيا، الرهان الكبير للسلام الكردي)


صحيفة الليبراسيون 15 آذار 2013 بقلم مارك سيمو Marc Semo

      قام حزب العمال الكردستاني يوم الأربعاء 13 آذار بالإفراج عن ثمانية "معتقلين" من الجنود والموظفين الأتراك الذين كان يعتقلهم منذ سنتين. ومن المفترض أن يُعلن عبد الله أوجلان يوم الخميس 21 آذار بمناسبة عيد السنة الكردية الجديدة (النيروز) عن وقف إطلاق النار. وستقوم حركته بسحب مقاتليها من الأراضي التركية اعتباراً من الصيف القادم.
     ما زالت المسألة الكردية وما يرافقها من مواجهات مسلحة وقمع هي العقبة الأساسية أمام نشر الديموقراطية في تركيا، وانتشار النفوذ التركي في المنطقة. إن التوصل إلى حل تفاوضي سيُعزز العلاقات بين أنقرة وكردستان العراق الغني بالموارد الطبيعية والخاضع للاقتصاد التركي. وستدخل كردستان سورية لاحقاً في المدار التركي. هذا هو التفكير الإستراتيجي للرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال قبل عشرين عاماً (كان الكاتب والباحث السياسي Cengiz Candar مستشاراً له في ذلك الوقت)، ولم يتردد في الحديث عن "فيدرالية تركية ـ كردية". يبدو أن ذلك أصبح الآن الرهان السياسي الكبير لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يرى فيه وسيلة لتعزيز طموحه بسلطة رئاسية ذات صلاحيات أكبر.
     إن الورقة الأساسية الرابحة للحكومة التركية هي رغبة عبد الله أوجلان الواضحة بالتوصل إلى تسوية تسمح له في النهاية بالاستفادة من إقامة جبرية في المنزل. ما زال عبد الله أوجلان يتمتع بسلطة ومكانة متميزة وحقيقية داخل حزبه، ولكن هناك أيضاً رغبة جامحة ومتزايدة لدى السكان الأكراد في تركيا للتوصل إلى تسوية، وهم ينظرون إلى ما حصل عليه إخوانهم الأكراد في العراق وقريباً في سورية، ولم يعد يكتفون بمجرد الحصول على بعض الحقوق الثقافية.
     أدى فشل الانفتاح الأول على الأكراد عام 2009 إلى حملة قمع واسعة واعتقال أكثر من ثمانية ألاف شخص من نواب ومحامين وصحفيين وقادة المجتمع المدني. إن الإصلاح القادم لبعض بنود قانون "مكافحة الرعب"، ربما سيسمح بخروج جزء من هؤلاء المعتقلين. ولكن ذلك قد لا يكون كافياً لتلبية تطلعات الشعب الكردي، كما أن بقية الإجراءات الأخرى الموعودة ما زالت غامضة. بالنسبة لحزب العمال الكردستاني، لن يقبل بمعاملته كأقلية حتى ولو حصل على بعض الحقوق الهامة. إنه يُطالب بأن يحصل الأكراد على الاعتراف بكونهم "من مكونات الشعب الأساسية" (peuple constitutif)، أي الحصول على المساواة الكاملة مع الأتراك، ولاسيما فيما يتعلق باللغة.
     إنه رهان هام ويستوجب تغيير بعض بنود الدستور. ومن هنا يأتي الخوف من آثار ذلك على الرأي العام التي يتمنى 90 % منه، حسب استطلاعات الرأي، التوصل إلى السلام. ولكن ما زالت هناك أغلبية 55 % تتردد حيال المفاوضات المباشرة مع حزب العمال الكردستاني. يرُاهن رجب طيب أردوغان على هذا الملف من أجل مستقبله السياسي، كتب المحلل قدري غيرزل Kadri Gürsel في صحيفة Milliyet اليومية التركية: "إنه يستخدم رغبة الشعب في السلام لكي يطرح استفتاء يُمرر فيه بعض التعديلات التي تُعزز صلاحيات الرئيس القادم الذي سيتم انتخابه باقتراع مباشر". وعبّر قدري غيرزل عن قلقه من التسلط المتزايد لذلك الشخص الذي كان الكثيرون يُلقبونه بـ "السلطان الجديد".
     تجاه هذه التحفظات، حتى داخل حزب أردوغان، تجاه الجمهورية الرئاسية، يُراهن أردوغان على الحصول على دعم حزب العمال الكردستاني مقابل إعطائه السلطة المحلية في المناطق الكردية في جنوب شرق تركيا. إنها معضلة كبيرة بالنسبة للكثير من المُثقفين الذين جاهدوا في هذه القضية منذ وقت طويل. قال الأستاذ الجامعي سنغيز أختر Cengiz Aktar مُتنهداً: "كنا نعتقد منذ سنوات أن تسوية المسألة الكردية هي مفتاح الديموقراطية في تركيا، ولكن ربما لن يكون الأمر كذلك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق