الصفحات

الخميس، ٢١ آذار ٢٠١٣

(الفخ السوري)


افتتاحية مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 21 آذار بقلم جان دانييل Jean Daniel

     كان الضمير الأوروبي السيء نائماً حتى الآن، ولكن يبدو أن استفاق أخيراً من نومه. بالتأكيد، يتعلق الأمر بسورية التي اجتاحها التمرد منذ سنتين، وتحول التمرد فيها إلى حرب أهلية تُزود وسائل الإعلام الدولية بعدد كبير من الصور التي لا تُطاق. أحد أطراف هذه الصحوة هو الرئيس الفرنسي الذي قرر، بدعم من رئيس الوزراء البريطاني، أنه "لن يأخذ بعين الاعتبار" احتمال رفض الدول الأوروبية لإرسال السلاح إلى المتمردين السوريين. لقد أوضح فرانسوا هولاند أن قراره لا يعني تشجيع إطالة أمد الحرب، وأنه ما زال ممكناً أن يقوم نظام بشار الأسد بقبول الحوار مع المعارضة. ولكن هذه هي النقطة التي تتعثر عندها منذ شهرين جميع الاتصالات مع الدبلوماسيين والعسكريين الروس.
     في الحقيقة، لم تقبل روسيا تكرار "ضربة بنغازي" التي تحولت من عملية انقاذ محلية إلى حرب لم تكن موسكو تريدها إطلاقاً. على أي حال، فيما يتعلق بسورية، إن روسيا ليست بحاجة إلى إظهار تصلبها ما دامت تلاحظ فشل فرانسوا هولاند ودافيد كاميرون في التغلب على معارضة أنجيلا ميركل وبقية الدول الأوروبية لإرسال الأسلحة إلى المتمردين.
     إذا عدنا إلى فلاديمير بوتين شخصياً وأفكاره ونوبات نفوره وغضبه، فإن مشاعره تجاه الولايات المتحدة هي نفسها مشاعر قادة الاتحاد السوفييتي في أسوأ مراحل الحرب الباردة. يرى بوتين يد الولايات المتحدة في كل مكان، وما زال خائفاً من قدرتها على حبك المؤمرات في جميع المناطق الساخنة بالعالم. ولكنه يعتقد بأنه رجل الدولة الوحيد في العالم الذي بإمكانه إفشال هذه المؤامرات. إنه يعتقد بأن الولايات المتحدة كانت وراء هزيمة الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، وأن الثورات العربية الأخيرة مُدبرة في واشنطن، وأن نتائجها كانت كارثية على روسيا. يُفضل بوتين أن يكون المسلمون أينما كانوا محكومين بقادة دكتاتوريين أو بملوك قادرين على حفظ النظام. إنه يعتقد بأن الأصوليين في تنظيم القاعدة يستغلون أي تمرد في إيران أو العراق أو في الشرق الأوسط بشكل عام حتى ولو كان "ثورياً" في بدايته. إن الأمر الذي يُقلق روسيا في سورية هو ضعف بشار الأسد مؤخراً والغموض حول السلطة التي ستصل بعد سقوطه، وليس المتمردين ولا ضحايا المعارك.
     تستطيع فرنسا ألا تأخذ بعين الاعتبار الحظر على الأسلحة المرسلة إلى سورية، ولكن هذا التحدي غير ملائم في موضوع له تاريخه. يجب أن نعرف أن هذا الموقف العادل والإنساني يمكن أن يساهم في خلط الأوراق في الشرق الأوسط. كان التدخل في ليبيا مشروعاً وشرعياً، فقد استطاع ساركوزي تجنب المجازر والاغتصاب والانتقام في مدينة بنغازي. ولكننا نلاحظ أن ليبيا أصبحت حالياً تحت سيطرة القبائل والميليشيات المسلحة، وأن الأسلحة تنتشر بسرعة، وأن التهريب يتكاثر على الحدود ويُغذي التطرف حتى الجزائر ومالي. إذاً، أدى التدخل في ليبيا إلى زعزعة استقرار الصحراء الإفريقية (الساحل).
     ماذا سيحصل في سورية؟ سيكون من الصعب تجنب وقوع جزء من الأسلحة المرسلة إلى الجيش السوري الحر بأيدي الجهاديين. يجب أن يطرح فرانسوا هولاند ولوران فابيوس هذا السؤال الذي سيجعل القرار الذي اتخذاه مؤخراً صعباً للغاية. يجب إرسال كميات كبيرة من الأسلحة إلى سورية من أجل النجاح في تغيير مسار النزاع الحالي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق