الصفحات

الثلاثاء، ٥ آذار ٢٠١٣

(كيري يقيس حجم المخاطر في الشرق الأوسط)


صحيفة الفيغارو 5 آذار 2013 بقلم تييري أوبرليه Thierry Oberlé

     لم يتوصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى حل أية مشكلة من مشاكل الشرق الأوسط بعد زيارته الخارجية الأولى المخصصة لمشاكل هذه المنطقة، ولكنه استطاع على الأقل التعرّف على صعوبة عمله الجديد. لقد أدرك جون كيري بفضل اللقاءات المتعددة التي أجراها في المنطقة أنه يُطلب من الولايات المتحدة القيام بدور بثلاثة أدوار في الوقت نفسه هي: رجل الإطفاء والحكم والشرطي.
     ينتظر الأصدقاء العرب أو غير العرب للولايات المتحدة أن تقوم واشنطن بإطفاء الحريق في سورية، وفرض حكمها لتقسيم الأراضي في فلسطين، وإعادة الهدوء إلى الخليج الفارسي. إذا عاد جون كيري بذاكرته إلى الوراء عشرين عاماً، سيُلاحظ مدى التدهور الحاصل في الوضع بالمنطقة. في عام 1993، كانت سورية حافظ الأسد أفضل أصدقاء الولايات المتحدة التي أعطت دمشق وصاية فعلية على لبنان، وكان من المفترض أن تؤدي المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية في أوسلو إلى اتفاق للسلام، ولم تكن إيران أثناء حكم البراغماتي رافسنجاني تُفكّر إلا بإعادة الإعمار، وتراجع كثيراً نفوذ تنظيم القاعدة والإخوان المسلمين على الجماهير العربية.
     كيف يمكن إطفاء الحريق في سورية؟ لقد تم استبعاد القيام بحملة عسكرية وإقامة نظام وصاية بسبب فشل التجربة العراقية قبل عشر سنوات. يبقى التفاوض السياسي. إن قيام الولايات المتحدة بإغلاق سفارتها في دمشق حرمها من وسيلة للتدخل المباشر لدى عائلة الأسد. ولكن بعد اللقاء بين كيري ولافروف، تم توزيع المهام بشكل تقوم فيه موسكو بعقلنة النظام، وتعمل واشنطن على إثارة حس المسؤولية لدى المعارضين في الإئتلاف الوطني السوري. لقد كرر كيري علناً أنه يجب على بشار أن يرحل، إنه خلط بين الأماني والمُمكن. لا يمكن أن يكون رحيل الرئيس السوري شرطاً مسبقاً للبدء بالحوار السياسي، لأنه الوحيد الذي يُجسد الدولة شئنا أم أبينا والقادر على التفاوض باسم الجيش والأجهزة الأمنية. بما أن كلا الطرفين غير قادرين على الانتصار بهذه الحرب الأهلية، فإن الحل الوحيد معروف وهو: وقف إطلاق النار والعفو وحكومة انتقالية وانتخابات بإشراف المجتمع الدولي. إنها مجازفة عندما نعرف بوجود طرف ثالث يترصد في الخفاء هو كتائب الجهاديين الذين لا يريدون السلام مع "الكفرة" العلويين مهما كلف الأمر.
     كيف يمكن حل الخلاف الإسرائيلي ـ الفلسطيني؟ ليس هناك أمثلة في التاريخ عن دولة قوية تقوم بإعادة أراض مُحتلة كبادرة جميلة دون أن تخضع أولاً لضغوط داخلية أو خارجية. على الصعيد الداخلي، لا يريد الناخب الإسرائيلي إطلاقاً إجبار حكومته على إعادة الضفة الغربية المُحتلة منذ عام 1967 من أجل إعطاء أرض لدولة فلسطينية يتمنى المجتمع الدولي قيامها. ليس هناك أية دولة عربية قادرة على تهديد إسرائيل عسكرياً وإجبارها على تقديم التنازلات. إن الولايات المتحدة، بصفتها مُمول وحامي إسرائيل، هي الوحيدة التي بإمكانها فرض حُكمها وإجبار الدولة اليهودية المُهددة بالقنبلة السكانية العربية على القبول بتقسيم الأراضي التي تم ترسيم حدودها خلال المفاوضات غير الرسمية في جنيف عام 2005. ولكن الأمور تتعقد هنا أيضاً مع وجود طرف ثالث هو حماس التي لم تعترف حتى الآن بحق إسرائيل بالوجود.
     كيف يمكن ضمان الخليج الفارسي بدون طرف نووي، أي بدون هيمنة؟ تشعر الممالك النفطية العربية بخوف كبير من البرنامج النووي الإيراني، ويقولون ذلك إلى الشرطي الأمريكي. تُعلن السلطات الإيرانية أنها تهتم بالطاقة النووية المدنية فقط. الحل الوحيد هو أن تسمح إيران بعمليات تفتيش دولية مفاجئة لمواقعها النووية، وأن تحصل مقابل ذلك على رفع العقوبات الدولية واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة. ولكن هنا أيضاً يوجد عقبة مخفية على طريق السلام هي: المزاودات الديماغوجية في دوائر السلطة الدينية الإيرانية وفي الكونغرس الأمريكي...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق