الصفحات

الخميس، ٧ آذار ٢٠١٣

(إيران: لإعادة النظر بسياسة العقوبات)


صحيفة الفيغارو 7 آذار 2013 بقلم وزير الخارجية الإسرائيلي السابق شلومو بن عامي

    لم يكن من المفاجى فشل المفاوضات الأخيرة بين إيران ومجموعة الستة في كازاخستان على الرغم من التنازلات المُقدمة في هذه المفاوضات. لقد ظهر بأن الفكرة الأمريكية القائلة بأن العقوبات القاسية ستُجبر إيران على القبول باتفاق، غير واقعية على الأطلاق ـ حتى الآن على الأقل ـ .
     حققت طهران تقدماً استراتيجياً بسيطاً في مقاومتها للضغوط الغربية، وما زالت تحظى بدعم بعض الدول مثل الصين وروسيا والهند وسورية وفنرويلا على الرغم من عزلتها واعتبارها دولة خارجة عن القانون. ما زال تحالفها مع سورية وفنزويلا هشاً: إن موت هوغو شافيز يُهدد الكثير من المصالح الإيرانية في فنزويلا، كما أن سقوط عائلة الأسد سيكون ضربة قاصمة للإستراتيجية الإيرانية في المنطقة.
     ما زالت روسيا والصين مستمرتين في اعتبار إيران أداة في تنافسهما مع الولايات المتحدة. إن مصالح الصين في إيران ذات طابع اقتصادي، فقد وصل حجم المبادلات التجارية بينهما إلى أربعين مليار دولار سنوياً. إن الصين ليست فقط الزبون الأول للنفط الخام الإيراني، بل أيضاً مُستثمر ضخم (ما بين أربعين ومئة مليار دولار) في قطاعي الطاقة والنقل. يجب أن تأخذ الصين بعين الاعتبار الضغوط الأمريكية والمعارضة السعودية المُطلقة للبرنامج النووي الإيراني باعتبار أن السعودية هي المُزود الأول للصين بالنفط. قامت الصين بالتصويت على العقوبات الإجبارية في مجلس الأمن ضد إيران، ولكنها ترفض الإجراءات أحادية الجانب من قبل الدول الغربية.
     فيما يتعلق بروسيا، يبلغ حجم تبادلها التجاري مع إيران خمسة مليارات دولار فقط. ولكنها تخشى من قدرة إيران على إثارة الاضطرابات ولاسيما عبر الروس المسلمين. من جهة أخرى، ترفض الولايات المتحدة أن تدفع الثمن الباهظ الذي يُطالب به الكريملين، والمُتمثل بإلغاء جزء كبير من تشريعات الكونغرس الأمريكي المتعلقة بتشجيع احترام حقوق الإنسان، والتخلي عن القيود المفروضة على التجارة الأمريكية ـ الروسية منذ أيام الحرب الباردة، والتخلي عن مشروع الدرع الصاروخي في أوروبا، مقابل وقف الدعم الروسي إلى إيران (وسورية أيضاً).
     فيما يتعلق بالهند، فإنها تخشى بالتأكيد من امتلاك إيران للسلاح النووي ومن نفوذها على الأصوليين الإسلاميين في كشمير. ولكن المبادلات التجارية بين البلدين تصل إلى 14 مليار دولار سنوياً، وتُمثل تبعية الهند للنفط الإيراني رهاناً إستراتيجياً هاماً. كما تحتاج الهند إلى إيران كبديل في آسيا الوسطى في مجال التجارة والطاقة من أجل الالتفاف على غريمها الباكستاني وحماية نفسها من المستقبل الغامض في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي عام 2014. لهذا السبب، إن السياسة الهندية تشبه السياسة الصينية أي: الإلتزام بالعقوبات الدولية ورفض العقوبات المالية الغربية. في أحسن الأحوال، من الممكن أن نأمل باستمرار الهند في تخفيض اعتمادها على النفط الإيراني وزيادة وارداتها من السعودية التي تمثل المصدر الأول للنفط الخام بالنسبة للهند.
     إن هشاشة التحالفات الإيرانية لا تعني أنها مزايا إيجابية فقط. لا شك بأن دولاً جديدة قد تنضم إلى العقوبات القاسية التي تفرضها الولايات المتحدة، ولكن المأزق الذي قد تواجهه إيران ربما يدفعها إلى مواصلة برنامجها النووي وبإصرار أكبر. والسبب في ذلك بالتحديد هو أنه عندما  تخلى العراق عن برنامجه النووي وبدون أسلحة الدمار الشامل، فقد أصبح هدفاً سهلاً خلال حرب الخليج الأولى. وبالطريقة نفسها، أصبح القذافي هدفاً سهلاً أمام الحلف الأطلسي لأنه تخلى عن أسلحة الدمار الشامل. لن تُفكّر إيران بالتخلي عن برنامجها النووي وعن الحماية التي يُوفرها لها هذا البرنامج إلا مقابل ضمانات تتعلق بوضعها كقوة إقليمية وحصانة النظام الإسلامي ضد الأعمال الأمريكية.
     قام ألبيرت إينشتاين بتعريف الجنون على الشكل التالي: "تكرار الشيء نفسه بشكل مستمر على أمل التوصل إلى نتائج مختلفة". ينطبق هذا التعريف على السياسة الأمريكية تجاه إيران، فقد فشلت العقوبات الدبلوماسية والعزل والتهديدات بشكل واضح، وما زالت إيران مستمرة في تخصيب اليورانيوم وتواصل برنامجها العسكري. يجب على الولايات المتحدة أن تُغيّر سياستها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق