صحيفة الليبراسيون
15 آذار 2013 بقلم الكاتب والصحفي دومينيك برومبرغر Dominique
Bromberger
كانت
أنظار الحكومات الغربية مُتركّزة على ليبيا عندما قام الجيش السوري قبل سنتين
بإطلاق النار في شوارع درعا على المتظاهرين الذين كانوا يحتجون على التعذيب الذي
تعرض له بعض الطلاب. توجهت الدول الغربية تحت ضغط الرأي العام فيها إلى الأمم
المتحدة، ولكن روسيا والصين استخدمتا حق النقض بتاريخ 27 نيسان 2011 ضد مشروع قرار
لفرض العقوبات على نظام دمشق. كانت باريس ولندن تعرفان جيداً أن روسيا والصين
ستستخدمان حق النقض، قال لي أحد الوزراء الذين انخرطوا في معالجة هذه الأزمة:
"من حسن الحظ أن السوريين لم يطلبوا مساعدة عسكرية، لأننا لن نفعل شيئاً".
وهكذا بدأت لعبة الخداع التي استمرت حتى هذا اليوم. كانت أوروبا تُعبّر بأدب عن
أسفها تجاه الموقف الروسي، ولكن بدون الإستماع إلى حججها.
تحتل
سورية مكاناً محورياً في الشرق الأوسط لدرجة أن سقوط بشار الأسد سيُزعزع استقرار
المنطقة. إن زوال النظام البعثي الذي يدعم الأقليات، سيؤدي إلى اندلاع مواجهات
طائفية رهيبة، وستتفتت سورية بسرعة إلى عدة دول صغيرة. وفي نهاية المطاف، سيصل
الإسلاميون إلى السلطة. وهكذا تم وضع خطط للسلام، وتسمية وسطاء مشهورين، وإرسال
مراقبين. انسحب هؤلاء المراقبين بعد عدة أسابيع، وتخلى الوسطاء عن مهمتهم عندما
أعلن أحدهم (كوفي عنان) أن رد المجتمع الدولي كان "مُخجلاً"، وأعلن
الثاني (الأخضر الإبراهيمي) أننا
"نشهد ترهيباً لا مثيل له". بدأت ترتسم ملامح توزيع الأدوار في الأمم
المتحدة، إن مجلس الأمن مُعطّل، وعبّرت بقية المؤسسات ذات العلاقة (الجمعية العامة
ولجنة حقوق الإنسان) عن شجبها لممارسات حكومة تقوم بتدمير أحياء كاملة في مدنها
بواسطة عرباتها المدرعة أولاً ثم بالطائرات. لم نشهد مثل ذلك منذ حرب إسبانيا
عندما كانت الولايات المتحدة تنظر باتجاه آخر. لقد انتخب الأمريكيون رئيسهم مرتين
من أجل انتشالهم من المغامرات الخارجية.
كان
الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة للأوروبيين. كان المتمردون مسلحين، وانشقت عدة وحدات
من الجيش النظامي، وأعلنت السعودية وقطر أنهما ستزودهم بالسلاح، وقامتا بذلك فعلاً
عن طريق تزويد المقاتلين الأكثر قرباً من أفكارهما. عندما سألت أحد مستشاري رئيس
الجمهورية: لماذا لا تقوم فرنسا بتزويد الجيش السوري الحر بالأسلحة؟ أجابني
قائلاً: "يجب رفع الحظر عن الأسلحة باتجاه سورية، وسيؤدي ذلك إلى حرب باردة
جديدة". هذا غير صحيح، إن روسيا اليوم لا تشبه الاتحاد السوفييتي السابق،
وصواريخها ليست موجهة إلى أوروبا.
لسوء
الحظ، إن أسباب هذا الرعب الذي يتسبب بالشلل ليست سياسية فقط. لقد اقترحت على أحد
كبار المسؤولين المكلفين بمسيحيي الشرق في الكنيسة بفرنسا، تنظيم صلاة دينية من
أجل "السلام العادل في سورية"، ولكنه عبّر عن خشيته من تعرّض المسيحيين
إلى الخطر بسبب ذلك. هذا غير صحيح، إن الذي يُعرّض حياة المسيحيين للخطر هو خوفكم
ونظام بشار الأسد الذي يعرض على الشباب المسيحيين حمل السلاح على أمل ضمّهم إلى
ميليشياته.
قامت
حكومة الأسد بسابقة تاريخية في 22 شباط: لقد أطلقت صاروخ سكود روسي الصنع على
مدينة حلب. هدد الإئتلاف الوطني السوري بعدم المشاركة باجتماعات "أصدقاء
سورية" بسبب خيبته من رخاوة الموقف الغربي وغضبه من عدم التوصل إلى نتيجة في
اجتماعات "أصدقاء سورية". قامت الولايات المتحدة بتسريب معلومات بأن
باراك أوباما غيّر سياسته خوفاً من الفشل، وبأن واشنطن ستُزود المتمردين بأجهزة
"غير قاتلة". ولكن في النهاية، اقتصرت مساعدتها المتواضعة على الأدوية
والأغذية، ولم تشمل الستر الواقية ضد الرصاص.
اعتقد جون كيري أنه سيتدارك الأمر بالإعلان عن
قيام الولايات المتحدة بتدريب بعض الضباط في الجيش السوري الحر. ستنتهي الحرب قبل
الانتهاء من تدريبهم. هدد اجتماع أصدقاء سورية بإحالة الأسد وجماعته أمام المحكمة
الجنائية الدولية، ولكن أحد الدبلوماسيين سأل قائلاً: "ماذا ننتظر، أن يهبط
الرئيس السوري يوماً ما في باريس أو لندن قائلاً: أنتم مُحقون، سأقوم بتسليم نفسي،
وأريد المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية؟".
إذا
استمرت الديموقراطيات الغربية بالبقاء مكتوفة الأيدي، فإن الهزيمة ستكون سياسية
وأخلاقية. استفادت الدبلوماسية الروسية من الأزمة، فقد كانت مُبعدة عن رهانات
الشرق الأوسط قبل سنتين فقط، وأصبحت اليوم مفتاح تسوية النزاع السوري بفضل أسلحتها
ونفوذها. لقد عرفت موسكو كيف تجمع الدول والحركات الشيعية مثل إيران وحزب الله
والحكومة السورية المُترنحة، وجذبت إليها العراق الذي "حررته " واشنطن.
يؤكد هذا النجاح الروسي جيداً أن الكلام لا يُعوّض عن غياب السياسة الغربية.
ربما
يكون هذا هو السبب الذي يدفع ببعض الدول الغربية، مثل فرنسا وبريطانيا على الأقل،
إلى اكتشاف أن "الحظر ينقلب اليوم ضد أولئك الذين كان الحظر يطمح إلى
حمايتهم". يجب إجراء مفاوضات جدّية مع روسيا وإلغاء الحظر وتزويد الجيش
السوري الحر بالسلاح (تعرف أجهزتنا السرية جيداً الجهة التي يجب تزويدها بالسلاح)،
لقد حان الوقت بأن تتوقف الدول الديموقراطية عن تجاهل الواقع أمام الجحيم الذي
يُهدد سورية، وربما يُهدد جزءاً من منطقة المتوسط بسبب عدم وجود سياسة لهذه الدول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق