صحيفة اللوموند
10 آذار 2013 بقلم مراسلها الخاص
في إربد بالأردن بنجامان بارت Benjamin Barthe
أصبح
الرجال المسلحون يقومون بالأدوار الأولى في هذه الثورة السورية التي تحولت إلى
صراع حتى الموت. ولكن المعركة ضد نظام الأسد لم تكن قضية عنف في بداية التمرد عام
2011، وكان يقف وراءها ناشطون مثاليون وعنيدون مثل نوار قاسم (24 عاماً).
قام
نوار قاسم بزيارة باريس في خريف عام 2012 للمعالجة من الجروح التي تعرض لها في
السجن. يحمل نوار قاسم إجازة بالعلوم الإقتصادية، وروى لنا إلتزامه بقوة هادئة
وإرادة لا تتزعزع، وقال: "عشت اللحظات التي جعلتني أحلم، وأعطتني الإحساس
بالابتسامة للمرة الأولى في حياتي. لقد غنيت ورقصت وصرخت مُعبّراً عن عطشي للحرية
مع جميع الناس الذين تعرفت عليهم قبل دقيقة واحدة. إنهم ناس لم يدخلوا المدرسة
إطلاقاً، وأصبحوا إخوتي بشكل تلقائي. عندما نعيش مثل هذه اللحظات، لا يمكن أن
نتراجع إلى الوراء".
كان
نوار قاسم من بين آلاف الشجعان الذين تظاهروا في سوق الحميدية بدمشق بتاريخ 25
آذار 2011 عندما كان السوق محاطاً بمخبري النظام. لقد كانت المظاهرة الأولى،
والمرة الأولى التي يتلقى فيها الضرب بعد هذه المظاهرة بالنسبة لهذا الشاب
الطرطوسي من الطائفة العلوية. قال نوار قاسم لكي يُفسر سبب تمرده: "كان والدي
شيوعياً، ولقنني حقده على النظام". إنه حالة نادرة بين الطائفة العلوية
المتجمدة داخل خوف قديم من السنة، هذا الخوف الذين تستغله السلطة بامتياز.
كان
نوار قاسم ينشط في معاقل التمرد بالأحياء المكتظة بدمشق مثل دوما وبرزة أو
الزبداني. يتمثل دوره بكتابة الشعارات على جدران العاصمة واللافتات وبتصوير
التجمعات الليلية بهاتفه الجوال. قال نوار قاسم: "كنا نشرب البيرة بعد
المظاهرات بالقرب من الإسلاميين الملتحين. كانوا ينتقدوننا مازحين بقولهم أنه إذا
قُتلنا، لن ينتظرنا أحد في السماء. كانت الأمور جيدة فيما بيننا".
أمسك
به النظام بسرعة، وتعرض لطعنة خنجر في أيلول 2011 أثناء إحدى المظاهرات، الأمر
الذي ألزمه بنقاهة طويلة. ثم تعرض للاعتقال في أيار 2012 أثناء زيارته لعائلته.
عانى خلال عدة أشهر من ساديّة سجانيه الذين كانوا يتلذذون بتدخين النرجيلة أثناء
عمليات التعذيب ورمي الجمر الأحمر على الأجساد العارية لضحاياهم. ولكنه أنقذ نفسه
بواسطة أحد القضاة المرتشين.
عندما خرج نوار قاسم من السجن، لم تكن الثورة
كما كانت عليه في ربيع عام 2011. لقد تصاعدت قوة المجموعات المسلحة، وتراجع التحرك
الشعبي إلى المرتبة الثانية. إن البلد يتفتت شيئاً فشيئاً بسبب المواجهات العنيفة
بين النظام والمتمردين. ولكن نوار يريد الحفاظ على إيمانه بالثورة أمام الصحافة
على الأقل، وقال: "كان تسليح التمرد حتمياً بسبب القمع العنيف. لا يريد الأسد
حلاً سياسياً. الجيش السوري الحر ليس ميليشيا، بل هو الشعب الذي حمل السلاح للدفاع
عن نفسه".
كان
نوار قاسم يريد العودة إلى سورية بعد انتهاء معالجته في فرنسا، ولكنه عرف بأن
القضاء أصدر حكماً بحقه، وأقنعته عائلته بالعدول عن العودة. يقيم نوار حالياً في
استانبول، ويعمل في إحدى التنسيقيات لمساعدة عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في
المخيمات التركية. إنه بعيد عن وطنه، ولكنه قريب من شعبه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق