ملحق صحيفة
الفيغارو الأسبوعي 9 نيسان 2013 الذي يضم ترجمة لأهم
المقالات في النيويورك تايمز، ومنها هذا المقال بقلم توماس فريدمان Thomas L. Friedman
تُشير
المعلومات بشكل متزايد إلى أن الولايات المتحدة في طور تعزيز دعمها للمتمردين
السوريين ضد الرئيس بشار الأسد. إن من مصلحة الجميع التحرك من أجل إنهاء الحرب
الأهلية السورية قبل انهيار الدولة السورية، وقبل أن يؤدي السمّ الطائفي وتدفق
اللاجئين إلى زعزعة استقرار لبنان والعراق والأردن. ولكن آمل أن يحصل الرئيس
أوباما على أجوبة كافية للأسئلة التالية قبل أن يتورط بشكل أكبر في سورية.
بدأ التمرد ضد بشار الأسد بتاريخ 15 آذار 2011. كانت
هناك توقعات شهرية بسقوطه منذ ذلك الوقت، ولكن لماذا بقي في السلطة حتى الآن؟ إذا
كانت المساعدة العسكرية الروسية والإيرانية هامة بلا شك، فلا يجب إهمال الدعم الذي
قدمته أهم الطوائف في سورية إلى الرئيس السوري. وصلت الأقلية العلوية إلى السلطة
منذ عام 1970، إنها الأقلية التي تنتمي إليها عائلة الأسد وتُمثل 12 % من عدد سكان
سورية البالغ 22 مليون نسمة. تعتقد هذه الطائفة أنه ليس أمامها إلا خيار واحد:
السلطة أو الموت بأيدي الأغلبية السنية (74 %). قام المسيحيون في سورية (10 % من
السكان) والسنة العلمانيون، وبشكل خاص التجار، بتسليم مصيرهم إلى الأسد، لأنهم
يعتبرون بأنه الوحيد القادر على منع الفوضى. لا يعتقد أي شخص منهم بقدرة المتمردين
على بناء ديموقراطية مستقرة وعلمانية ومتعددة الطوائف بدلاً من بشار الأسد. ما
الذي يجعلنا نعتقد بأنهم مخطئون؟
ما
هي نوايا قطر والسعودية؟ هل يجب الاعتقاد بأن من مصلحتهما إقامة نظام ديموقراطي
تعددي ومتعدد الطوائف في سورية، في حين أنهما لا يتسامحان إطلاقاً بذلك في
بلديهما؟ إن هاتين المملكتين الوهابيتين
الأصوليتين والعدوين اللدودين، هما المُحركان الأساسيان للتمرد السوري ويُزودانه
الأسلحة. ينتمي المتمردون السوريون إلى ثلاث مجموعات: الديموقراطيون الذين يريدون
أن يكونوا مواطنين أحرار في بلد يحصل فيه الجميع على الحقوق نفسها، وأولئك الذين
يبحثون عن الحرية من أجل تطبيق الإسلام، وأولئك الذين يعتبرون أن الحرية تعني
إعطاء الأفضلية إلى طائفة، أي إقصاء الأقلية العلوية لمصلحة الأغلبية السنية.
استقال مؤخراً رئيس الإئتلاف الوطني السوري معاذ
الخطيب الذي يؤيد التفاوض مع النظام السوري بعكس رأي العديد من المتمردين. إذا كان
المتمردون لا يستطيعوا التفاهم فيما بينهم، من يستطيع ضمان أن العلويين والمسيحيين
السوريين سيكون لهم مكان في سورية ما بعد الأسد؟
لا
يمكن توقّع أن تقوم الأغلبية السنية، التي قتل بشار الأسد الآلاف منها، بمد يدها
إلى العلويين بين ليلة وضحاها. هل يمكن الثقة بالمتمردين، مع مرور الوقت، لضمان
مستقبل العلويين والمسيحيين في سورية، باعتبارها الإمكانية الوحيدة للحفاظ على
وحدة الدولة السورية؟ أو هل نحن مستعدون لقبول قيام العلويين ببناء دولتهم في
سورية، واستيلاء السنة على بقية الأراضي، ورحيل المسيحيين إلى كندا؟ إن الدرس
المُستخلص من العراق ومصر وتونس وليبيا هو أنه كلما عاد الأمن بسرعة، كلما كان
السكان يميلون إلى التفكير والعمل كمواطنين وليس كطائفة أو قبيلة. من سيقف بين
الطوائف والميليشيات الموجودة في سورية من أجل فرض النظام بعد سقوط الأسد؟ هل
نعتقد حقاً أن ما بعد الأسد في سورية، التي لا يوجد فيها شخص مثل نيلسون مانديلا،
ستكون قادرة بنفسها على بناء حكومة متعددة الطوائف تحكم البلد بأكمله، بدون قيام
الأمم المتحدة والجامعة العربية بفرض قوة دولية مُسلّحة جيداً لكي تقوم بدور الحَكَم؟
هذا هو جوهر فكرتي: نعرف ما هي سورية التي نحب أن نراها، ولا نستطيع تجاهل الثمن
الباهظ الواجب دفعه في حال الفشل أو في حال استمرار الحرب. ولكنني ألا أرى أي
توافق في سورية ـ ولا حتى داخل المعارضة ـ حول سورية الديموقراطية والمتعددة
الطوائف التي نتطلع إليها.
في
مثل هذه الأوضاع، هناك ثلاثة خيارات أساسية: بإمكاننا غزو سورية بدعم من تحالف
دولي، كما فعلنا في العراق، وخنق الأطراف الموجودة وبناء نموذجنا في سورية. ولكن
كلفة هذا الخيار باهظة جداً، ولم تثبت جدارته في العراق، وترفضه الولايات المتحدة.
لننسى هذا الخيار. يمكننا أيضاً محاولة إيقاف النزاع عن طريق دعم تركيا والأردن
ولبنان وإسرائيل، بانتظار انهيار الطوائف السورية من أجل فرض اتفاق لوقف إطلاق
النار وتقاسم السلطة. أو نستطيع السماح لهذه الحرب بمتابعة مسارها مع معرفتنا
الأكيدة بأن المجازر ستكون أكثر فظاعة، مع احتمال انتشارها إلى الدول المجاورة،
واحتمال تفكك سورية إلى دويلات صغيرة سنية وعلوية وكردية. أنا أشك بأن مجرد تسليح
المتمردين "الجيدين" سيقود سورية إلى النتيجة التي نتمناها، بالمقابل،
يمكن أن يجرّنا ذلك إلى الطريق الذي رفضناه. أنا مُستعد للإصغاء إذا كان هناك أحد
يستطيع أن يشرح لي كيف يمكن أن يؤدي تسليح المتمردين العلمانيين والقوميين إلى
تعزيز فرص حث بشار الأسد وروسيا إلى التوصل إلى اتفاق، وإلى هزيمة المتمردين
الإسلاميين بعد سقوط الرئيس. هذه هي عقدة المشكلة. في بعض الأحيان، يكون الضروري
والمرغوب مستحيلاً. ولهذا السبب، أنا أنصح الرئيس بالتريث حالياً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق