صحيفة الفيغارو
22 نيسان 2013 بقلم مدير مرصد الدول العربية أنطوان بصبوص
أصبح
التسونامي العربي على وشك القضاء على الحدود المُصطنعة لاتفاقية سايكس ـ بيكو.
بدأت الضربة الأولى مع سقوط صدام حسين عام 2003 وبروز ثلاثة كيانات: شيعية وسنية
وكردية. لقد دمّرت دكتاتورية الرجل الواحد وعائلته مفهوم المواطنة وأججت روح
الانتقام لدى ضحاياه. هذا هو الوضع بالنسبة لوحشية الدكتاتورية الوراثية لعائلة
الأسد التي لجأت إلى الترهيب والدبابات والطائرات والصواريخ البالستية من أجل
"الحفاظ على النظام"، وأدى ذلك في النهاية إلى إثارة تصميم خارق لدى
ضحاياه. كيف يمكن للعلويين والسنة التفكير بمستقبل مشترك بعد كل هذا العنف؟
إن
سورية ما بعد هذا النزاع، لن تُشبه إطلاقاً سورية ما بعد الاستقلال. لقد دفع هذا
النزاع بكل طائفة إلى العودة إلى مناطقها الأصلية باستثناء المسيحيين الذين ليس
لديهم أية منطقة آمنة. وصل الغضب والحذر لدرجة أصبحت فيها العودة إلى الوراء غير
ممكنة في المستقبل القريب، كما أن الراديكاليين في كل معسكر استولوا على السلطة.
هذا ما نراه مع الأسد، فما زال صوت المعارضين العلويين غير مسموع، وما زالت
الطائفة مُقتنعة بأن خلاصها لن يكون مع جبهة النصرة التي أعلنت ولاءها لتنظيم
القاعدة وتصف العلويين بأنهم "النصيريين الملحدين الذين يجب أن يعتنقوا
الإسلام". استطاعت جبهة النصرة في النهاية تهميش المعارضة والجيش السوري الحر
الأكثر عدداً واعتدالاً ولكن الأضعف هيكلية.
يهدف
"التطهير العرقي" في محيط حمص إلى رسم الحدود الداخلية لسورية التي يريد
الأسد ضمها إلى المنطقة العلوية من أجل إكمال حزام الأمان مع حزب الله في لبنان.
يملك العلويون السلاح الكيميائي باعتباره سلاح الردع الأخير. ولكن من الصعب التنبؤ
فيما إذا كانت الكيانات المستقبلية ستنخرط في حرب استنزاف، أم ستتفق على إقامة
فيدرالية أو حتى إقامة دول مُنفصلة.
أصبحت سورية مسرحاً لنزاع إقليمي بالوكالة يضم
دولاً سنية وشيعية مدعومة بدرجات مختلفة من روسيا والولايات المتحدة وأوروبا. إن
الاتفاق الذي سيضع حداً لهذا النزاع سيكون برعاية الدول العظمى الأساسية في القرن
الواحد والعشرين. إذا تمسكت روسيا بحماية النظام العلوي الذي تنازل لها عن قاعدة
عسكرية في طرطوس، فإن اتفاقاً بين كيري ولافروف سيحل مكان اتفاق سايكس ـ بيكو
لإعادة رسم الحدود الإقليمية. ستتحرك روسيا بهذا الشكل من أجل تأمين "الدولة
العلوية" حالما ينتهي نظام الأسد المستقبلي من ترسيم حدوده بشكل يضم حمص. في
هذه اللحظة، سنُشاهد إزالة العقبات في مجلس الأمن مع تبني قرار يسمح بنشر القبعات
الزرق بين الكيانات السورية، كما حصل سابقاً في قبرص ويوغسلافيا السابقة وحتى في
دارفور. لقد بدأ الكردستان السوري طريق تحرره مُعتمداً على نموذجه العراقي.
أصبح
من المتعذر الرجوع عن هذه الديناميكية بسبب الخصومات الدينية التي ما زالت حيّة
بين السنة والشيعة. ستظهر تداعيات هذه الديناميكية على لبنان والأردن وحتى تركيا
التي أسرعت بمراجعة سياستها تجاه الأكراد فيها. لا شيء يضمن بأن هذه الدول
المستقبلية ستكون أكثر احتراماً لحقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكل خاص وحقوق
الأقليات بالمقارنة مع الأنظمة المكروهة التي تنهار أمامنا. إن الأحزاب السياسية
الحالية مبنية على الدين أكثر مما هي مبنية على قيم المواطنة. للأسف، ليس هناك أي
تيار ليبرالي قادر على فرض نفسه داخل جميع الطوائف.
إن
الواقع الطائفي في دول المشرق وحتى في مصر يُشكل عقبة أمام بروز دولة القانون.
ولكن قدرة الجيل الشاب والمجتمع المدني في مصر وتونس على المقاومة، يسمح بالأمل أن
المعركة ليست خاسرة سلفاً في مجتمعات المشرق تجاه الأنظمة الدكتاتورية العسكرية أو
الدينية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق