صحيفة الفيغارو
15 نيسان 2013 بقلم مراسلتها في واشنطن لور ماندفيل Laure Mandeville
تستعد الولايات المتحدة لإجراء تخفيض كبير في
موازنتها العسكرية بسبب الأزمة الاقتصادية البنيوية الخانقة التي لا يبدو أنها
ستنتهي قريباً، وذلك بعد خمسين عاماً من الارتفاع المستمر للموازنة العسكرية.
هل
هو مجرد تخفيض بسيط في الموازنة العسكرية أم أنه إعادة نظر إستراتيجية شاملة؟ هناك
بالتأكيد تغيّر في النظرة الأمريكية بعد عشر سنوات من الحرب في العراق وأفغانستان.
يقول مستشارو الرئيس الأمريكي لشؤون السياسة الخارجية أنهم يريدون إعطاء
الدبلوماسية كامل دورها من جديد، وتفضيل الطابع "الخفيف" في مجال الأمن
القومي. يُشير ذلك إلى أن الجزء الأكبر من الإلتزامات الأمريكية التقليدية قد
تجاوزته الأحداث. إن السلبية الأمريكية تجاه سورية تُظهر هذا النوع من التفكير.
سيصدر قريباً كتاب لمدير مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس Richard Haass يؤكد فيه أن السياسة الخارجية المثلى تتمثل في إعادة بناء الأمة
الأمريكية...
أشار
مصدر دبلوماسي فرنسي إلى أن الخبراء الأمريكيين والأجانب يرفضون الحديث عن إعادة
نظر إستراتيجية شاملة، وتبدو لهم أنها كلمة مُبالغ بها، ويُفضلون الحديث عن
"التكيّف مع ضرورات الموازنة والتحديات الجديدة". قال الجنرال الفرنسي
في قيادة الحلف الأطلسي في فيرجينيا جان بول بالوميرو Jean-Paul
Paloméros: "لدي شعور
بأنهم يدركون تماماً مسؤولياتهم". لقد حدد وزير الدفاع الأمريكي الجديد تشاك
هاغل جيداً التوازن الدقيق الذي يجب تحقيقه في كلمة ألقاها مؤخراً في الجامعة
العسكرية الوطنية قائلاً: "لا نستطيع دفع النفقات الباهظة للانسحاب".
ما
هي القطاعات العسكرية التي سيطالها تخفيض الموازنة؟ من الصعب تحديد ذلك بدقة
حالياً، ولكن ترتسم حالياً ملامح تخفيض الموازنة العسكرية الأمريكية بمقدار 500 مليار دولار خلال عشر سنوات. يبدو
أن سلاح الجو الأمريكي سيكون الرابح الأكبر على حساب سلاح المدرعات والمشاة
والبحرية. كما يجب اتخاذ القرارات المتعلقة بمختلف المناطق التي تنتشر فيها القوات
الأمريكية في العالم. من الممكن أن ينعكس التوجه الأمريكي نحو آسيا بتقليص التواجد
العسكري الأمريكي في أوروبا وربما في الشرق الأوسط.
ما
هي المخاطر المرتبطة بتقليص الإمكانيات العسكرية؟ يشعر بعض الخبراء بالقلق حيال
تخفيض موازنة سلاح المدرعات والمشاة أو موازنة الأسلحة النووية، ويعتبرون أنه من
الصعب جداً التنبؤ بالحرب المستقبلية. على سبيل المثال، كشف تقرير صدر مؤخراً حول
الوضع السيء للرؤوس النووية الأمريكية أن الولايات المتحدة بحاجة إلى 300 مليار
دولار للمحافظة عليها. إن بروز بعض القوى النووية الجديدة مثل إيران وكوريا
الشمالية يدفع إلى الحذر. أشار الباحث مايك نونان Mike Noonan من معهد دراسات السياسة الخارجية
إلى أنه يجب المحافظة على مجموعة كاملة من الوسائل العسكرية، وأكد أن بعض
المناطق الهادئة حالياً مثل أوروبا، ربما
تُصبح ساخنة مستقبلاً، كما حصل أثناء الحرب بين روسيا وجورجيا عام 2008.
هل
سيكون مصير "المظلة الأمريكية" الاختفاء؟ تطرح بعض الدول الأوروبية ولاسيما
في أوروبا الشرقية هذا السؤال بقلق، وتتساءل فيما إذا كانت الأولويات الأمريكية
ستبقى على حالها فيما يتعلق بأمن حلفائها. أثار التحوّل الأمريكي نحو آسيا بعض
المخاوف في بولونيا ودول البلطيق التي ما زالت تخشى الخطر الروسي. لقد ازدادت هذه
المخاوف بعد الإعلان عن الانخراط الأمريكي المحدود في مشروع الدرع الصاروخي
الأوروبي. إن تخفيض اعتماد الولايات المتحدة على النفط القادم من الشرق الأوسط، من
الممكن أن يساهم أيضاً في تخفيض التواجد الأمريكي في هذه المنطقة الهامة. قال مايك
نونان: "ستبقى هذه المظلة، ولكنها ستكون أقل اتساعاً. وربما ستُساهم الدول
المستفيدة منها في تمويلها". بالمقابل، لاحظ مايك نونان تعزيز المظلة
العسكرية الأمريكية في آسيا، فقد قامت واشنطن بالتوقيع على اتفاقيات عسكرية ثنائية
مع عدد من الدول الآسيوية الخائفة من النزعة العدوانية العسكرية الصينية.
إن تقليص
حجم المظلة العسكرية الأمريكية يستوجب على المدى الطويل تقاسم أعباء هذه المظلة.
أشار مايك نونان إلى أنه إذا قامت الولايات المتحدة بتخفيض وجودها في أوروبا، فإنه
يجب على الأوروبيين أنفسهم تعويض هذا النقص. واعتبر أن قيام الجيش الفرنسي بتحمل
أعباء التدخل في مالي هو "النموذج المثالي لتقاسم المهمات" الذي تحلم به
الولايات المتحدة المُجبرة على تحمل مسؤولياتها، ولكنها غير مستعجلة للتدخل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق