صحيفة الفيغارو
9 نيسان 2013 بقلم رونو جيرار Renaud Girard
عندما قام الجيش الفرنسي بتمشيط جبال أدرار في
شمال مالي، هذه المنطقة التي تُمثل معقلاً للناشطين الإسلاميين ومُختطفي الرهائن،
قبض الجنود الفرنسيون على أحد الجهاديين الذين يُثير مصيرهم الانتباه. إنه شاب
تونسي مُتديّن، وتدرّب في أحد المعسكرات السرية في بلده لكي يذهب إلى سورية
ويُقاتل ضد النظام "الكافر" لبشار الأسد. ولكن في اللحظة الأخيرة، ظهر
عائق لوجستي منعه من الانضمام إلى الشبكات الموجودة في شرق تركيا، وقرر رؤساؤه
إرساله إلى مالي لكي يُقاتل الفرنسيين.
إنه
وضع غريب! لو شاءت الظروف أن يذهب هذا الجهادي إلى الأحياء الشمالية في حلب، فإنه
سيكون في موقع الحليف الطبيعي لسياسة الحكومة الفرنسية. ولكن بما أنه اتجه نحو
مالي، فقد عاملته فرنسا بصفته عدواً لها. خلال الاجتماع الأخير لمجلس الشؤون
الخارجية للاتحاد الأوروبي، دعا لوران فابيوس إلى رفع الحظر عن الأسلحة المُرسلة
إلى المتمردين السوريين، ولكن زميله اللوكسمبورغي سأله ببساطة: "إشرحوا لي،
أنا لا أفهم جيداً، تريدون مساعدة الجهاديين في سورية في حين أنكم تُقاتلوهم في مالي؟".
دعا
وزير الخارجية الفرنسي إلى إرسال الأسلحة للمجموعات المتمردة التي ستقدم
"ضمانات مُطلقة": ضمانات بأنها لن تُستخدم ضد المدنيين وبأن تُستخدم فقط
ضد جنود النظام الشائن، ضمانات بأنها لن تصبح لاحقاً وسيلة لقمع الأقليات (العلوية
والمسيحية والدرزية والكردية...)، ضمانات بعدم بيعها لاحقاً إلى منظمات إسلامية
معادية للغرب... هل فابيوس ساذج أم أنه حصل على معلومات خاطئة؟ من المستحيل وجود
مثل هذه الضمانات. لن يكون بإمكان أي شخص السيطرة على الاستخدام النهائي للأسلحة
بمجرد عبورها للحدود التركية ـ السورية. هذه هي القاعدة الجيوسياسية القائلة بأنه
لا يوجد إمّعات يمكن الثقة بها. في هذا المجال، كانت تجربة الأمريكيين مُرّة في
أفغانستان خلال سنوات الثمانينيات في إطار كفاحهم ضد الاحتلال السوفييتي، لقد
قاموا بتقديم المساعدة إلى حركة الإسلامي قلب الدين حكمتيار الذي ما زال إحدى القوى
الفاعلة في أفغانستان، ويُمضي وقته في محاولة قتل الجنود الأمريكيين في هذا البلد.
يبدو
أن لوران فابيوس لم يُدرك بأن بأن العولمة وصلت إلى الإسلاموية كما وصلت إلى
المال. أصبحت سورية، كما حصل في العراق سابقاً، ساحة للوهابيين المتشددين القادمين
من جميع أنحاء العالم. كما أصبحت أعمال الترهيب المُرتكبة ضد المسيحيين، بصفتهم
مسيحيين، أمر مألوفاً. إن المجلس الوطني السوري المُعارض الذي تم تأسيسه في الدوحة
بفضل التمويل القطري، لا يُسيطر على أي شيء يحصل داخل الأراضي السورية التي يفرض
المتطرفون فيها قوانينهم.
إن الدبلوماسية
الفرنسية حول الملف السوري في السنوات الأخيرة افتقدت الاستمرارية والبراغماتية
والواقعية. فقدان الاستمرارية: ما هو الاختلاف الإيديولوجي بين بشار الشائن عام
2011 وبين ذلك الذي توددنا إليه وأعطيناه شرف رئاسة استعراض العيد الوطني الفرنسي
بتاريخ 14 تموز 2008 في الشانزليزيه؟ فقدان البراغماتية: لقد أغلقنا سفارتنا في
دمشق لكي نُقلّد الأمريكيين، وبذلك حرمنا أنفسنا من وسيلة هامة لمعرفة الوضع على
الأرض والحوار مع السلطة البعثية. الدبلوماسية هي فن الحديث مع الخصوم والأعداء
قبل أي شيء آخر. إن الحفاظ على سفارة في كوبنهاجن أقل فائدة بكثير من الحفاظ على
سفارة في طهران. فقدان الواقعية: أعلنت فرنسا منذ منتصف عام 2011 عن دعمها للحوار
السياسي بشرط استبعاد شخص الرئيس بشار الأسد. ولكن هذا الموقف يتجاهل أن هذا
الأخير يُجسّد لوحده جهاز الدولة بأكمله. لم يكن هناك أي داعي لفرض إبعاد عائلة
الأسد من الساحة السياسية السورية كشرط مُسبق للبدء بالمفاوضات السياسية. لا يمكن
أن يكون ذلك إلا نتيجة لفترة انتقالية ناجحة.
إن
اقتراح فرنسا أمام شركائها الأوروبيين بتسليح المتمردين السوريين قد أثار غضب
روسيا وغضب الوسيط الأممي الأخضر الإبراهيمي بدون فائدة. إن الحل الوحيد في هذا
البلد هو إقامة حوار بدون شروط بين النظام والمعارضة. سيكون من المفيد أن تقوم
فرنسا اليوم بدعم روسيا في هذه الجهود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق