صحيفة اللوموند
9 نيسان 2013 بقلم مراسلها في إسرائيل لوران زوكيني Laurent
Zecchini
بعد
أكثر من عقد على الجدل بين المؤيدين والمعارضين لهذا المشروع الهائل، يبدو أن قرار
البنك الدولي واضح: من الممكن تنفيذ مشروع القناة بين البحر الأحمر والبحر الميت.
قام البنك الدولي بتقديم نتائج دراساته حول الآثار الاجتماعية والبيئية قبل عدة
أسابيع. ولكن على الرغم من ذلك، هل هذا المشروع واقعي، وبشكل خاص على الصعيدين
المالي والسياسي؟ من المفترض معرفة جزء من الجواب في منتصف شهر نيسان عندما يتم
نشر التقرير حول الاستقصاءات العامة في إسرائيل والأردن والضفة الغربية.
هناك
وضع لا يمكن إنكاره منذ البداية: يجف البحر الميت بشكل لا مناص منه، وينخفض مستوى
المياه فيه متراً واحداً تقريباً سنوياً. تراجعت مساحته من 950 كيلومتراً مربعاً
إلى 637 كيلومتراً مربعاً منذ سنوات الستينيات، وانخفض منسوبة 29 متراً. إذا لم
يتم القيام بأي شيء لمواجهة هذه الظاهرة، سينخفض حجم البحر الميت أكثر من 10 %
خلال السنوات الخمسين القادمة مع كل ما يرافق ذلك من آثار سلبية على الصناعات
المحلية والسياحة والبيئة، وقام البنك الدولي بتقدير هذه الآثار السلبية بحوالي 33
مليار دولار.
يعرف
الجميع ما هو السبب الرئيسي في هذا الجفاف التدريجي: تقوم إسرائيل والأردن وسورية
ولبنان بتحويل مياه نهر الأردن وتخزينها حسب احتياجاتهم وبدون تشاور مشترك يسمح
بالمحافظة على هذا المورد الحيوي. تنبع مياه هذا النهر التوراتي من جبل حرمون الواقع
بين سورية ولبنان، إن هذه المياه ملوثة جداً، وأصبحت غزارتها في نقطة عبور اللنبي
بين إسرائيل والأردن تعادل غزارة ساقية صغيرة.
ما
هو الحل؟ قام الخبراء الفنيون في البنك الدولي بالتفكير طويلاً للوصول إلى حل، حتى
ولو كان مصطنعاً من حيث الشكل. من بين مختلف الخيارات، إنهم يفضلون مشروعاً قديماً
يعود تاريخه إلى منتصف القرن التاسع عشر: أي الاستفادة من تباين مستوى الارتفاع
بين البحر الأحمر والبحر الميت بمقدار 423 متراً، من أجل جر المياه من البحر
الأحمر إلى البحر الميت بقوة الجاذبية عن طريق قناة طولها 180 كم، وذلك بمعدل 2
مليار متر مكعب سنوياً.
تؤكد
دراسة البنك الدولي حول إمكانية تنفيذ هذا المشروع أن إسرائيل والأردن والسلطة
الفلسطينية سيستفيدون من هذا المشروع الذي سيتضمن معملاً لتحلية المياه بطاقة 850
مليون متر مكعب سنوياً. يُمثل هذا المعمل عاملاً مغرياً جداً بالنسبة للأردن رابع
أفقر دولة في العالم مائياً. كما سيتم بناء معمل كهرمائي لتوليد الطاقة الكهربائية
من المياه، وستُستخدم الطاقة المُنتجة في هذا المعمل لتغذية محطة الضخ في العقبة
بالأردن ومعمل تحلية المياه، بالإضافة إلى تزويد الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية
بالطاقة الكهربائية.
إذا
نظرنا إلى ما هو أبعد من ذلك، إن أحد أهداف هذا المشروع هو "بناء رمز للتعاون
السلمي في المنطقة". ولكن هناك عقبات كثيرة على الصعد السياسية والمالية
والبيئية. يقول الفلسطينيون أنهم لا يملكون حالياً منفذاً إلى البحر الميت، كما لا
يحظى هذا المشروع بالاجماع في إسرائيل والأردن، وقد أثار موجة من التمرد لدى بعض
منظمات الدفاع عن البيئة، ولاسيما منظمة أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط (Foeme) وجمعية Adam Teva V’Din الإسرائيلية.
أشار
مدير منظمة أصدقاء الأرض في الشرق الأوسط في إسرائيل جيدون برومبيرغ Gidon Bromberg إلى أن المستفيدين الحقيقيين من هذا المشروع هم الشركات الصناعية
التي ستشارك في أعمال البناء، بينما سيُعاني السكان المعنيون من الكلفة الباهظة
لانتاج الكهرباء ومن تدهور البيئة. كما تؤكد هذه المنظمة على خطر انتشار الطحالب
الحمراء والتكلس بسبب الاختلاط مع مياه البحر الأحمر الأقل ملوحة والرواسب
المالحة، الأمر الذي سيُغيّر من مكوناته المعدنية بشكل لا عودة عنه.
من
بين الأخطار الأخرى المُشار إليها، هناك خطر تلوث باطن الأرض بمياه البحر في حال
حصول تسرّب في القناة التي تنقل مياه البحر الأحمر. إن مثل هذا السيناريو محتمل
جداً في حال وقوع عمل إرهابي، وهذا ما أظهرته 15 عملية تخريب تعرض لها خط أنابيب
الغاز بين مصر والأردن وإسرائيل خلال عام واحد.
فيما
يتعلق بالجانب المالي، ربما يكون هذا الجانب هو الأكثر غموضاً. تُقدّر دراسة البنك
الدولي كلفة هذا المشروع بـ 9.97 مليار دولار، وهو رقم لا يأخذ بعين الاعتبار كلفة
جر مياه الشرب إلى إسرائيل والأردن. أكدت هذه الدراسة أن العوائد الاقتصادية لهذا
المشروع ستكون أكبر بمليار دولار من كلفة تمويله، كما أن "الفوائد الاقتصادية
للسلام ستبلغ حوالي ثلاثين مليار دولار سنوياً" بعد هذا "التعاون
السلمي" بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية. ولكن هذا التأكيد يبقى
نظرياً.
قام
البنك الدولي ببناء حساباته على أساس قيام القطاع الخاص بالمشاركة في التمويل
بمبلغ 2.6 مليار دولار، وسيعتمد ذلك على قروض دولية بقيمة خمسة مليارات دولار. الأمر
الأكثر صعوبة هو أنه من المفترض أن يُساهم الأردن بتمويل المشروع بمبلغ 2.5 مليار
دولار، وهو أمر غير واقعي في الوقت الذي يتجاوز فيه عجز موازنته حالياً 10 % من
إجمالي الناتج المحلي (PIB).
تم
تفضيل مشروع القناة بين البحر الأحمر والبحر الميت على العديد من الحلول الأخرى
مثل القناة بين البحر الميت والبحر
المتوسط الذي تخلّت عنه إسرائيل بعد أن كانت تُفكر به جدّياً.
يجب على الحكومات اتخاذ القرار بمتابعة هذا
المشروع بعد معرفة نتائج الاستقصاءات العامة التي تجري في الأراضي المعنية. في حال
كان الجواب سلبياً، هناك خيار آخر أكثر فعالية وبراغماتية من وجهة نظر المدافعين
عن البيئة عن طريق السعي إلى اتفاق بين الدول التي تقوم بتحويل وتلويث نهر الأردن
من منابعه. ولكنه هذه المقاربة ليست واقعية على الصعيد السياسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق