صحيفة الفيغارو
23 نيسان 2013 بقلم رونو جيرار Renaud Girard
استطاع
جون كيري خلال يوم واحد أمضاه في استانبول يوم الأحد 21 نيسان تحقيق تقدم في جميع
الملفات الكبيرة للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط. خلال اجتماع مجموعة
أصدقاء سورية المعادي لنظام الأسد، أكد وزير الخارجية الأمركي تمسكه بـ
"وحدة" سورية و"عودة السلام" إليها. تهدف الكلمة الأولى إلى
استبعاد فرضية تفتت البلد إلى دويلات صغيرة (كردية ودرزية وعلوية وسنية...)،
وتُمثل الكلمة الثانية دعوة إلى الحفاظ على التسامح الديني في بلد يتضمن عدة
أقليات هامة، مسيحية وغير مسيحية، ولكنها مُهددة اليوم بتصاعد الراديكالية السنية
ذي الأصول الوهابية. ستقوم الولايات المتحدة بتقديم مساعدة إلى التمرد قدرها 123
مليون دولار من "المعدات غير القاتلة"، ولكن هذه المساعدة تبقى تدبيراً
مؤقتاً بالمقارنة مع "الضربات الجراحية" التي يُطالب بها الجيش السوري
الحر بقيادة العميد سليم إدريس.
وعد
جون كيري خلال لقائه مع رئيس السلطة التنفيذية محمود عباس بأن الولايات المتحدة
ستزيد مساعداتها الاقتصادية إلى الضفة الغربية بشكل كبير. بالمقابل، ينتظر جون
كيري من محمود عباس تليين موقفه والقبول باستئناف المفاوضات مع الإسرائيليين حتى
ولو لم تُعلن إسرائيل عن تجميد المستوطنات السكنية. يريد وزير الخارجية الأمريكي
بأي ثمن استئناف الحوار الإسرائيلي ـ الفلسطيني المباشر من أجل إتاحة الفرصة
الأخيرة أمام الحل القائم على أساس الدولتين. إنه يعلم بأن مثل هذا الحل سيكون
متأخراً جداً بعد سنتين،وسيُطالب حينها الفلسطينيون المُتعبون ببساطة ااعتبارهم
مواطنين في إسرائيل الكبرى، بدلاً من الاستمرار بالعيش بشكل سيء في تجمعات معزولة.
كان
النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني أحد أهم المواضيع التي تناولها جون كيري في اجتماعه
الثنائي الطويل مع رئيس الحكومة التركي. لقد عادت تركيا إلى قلب الرهان الدبلوماسي
في المشرق بعد أن قدّم نتنياهو اعتذاره إلى الحكومة التركية بعد حادث أسطول (مافي
مرمرة) الذي أدى إلى مقتل تسعة مواطنين أتراك عام 2010. لماذا قال جون كيري علناً
أنه طلب من رجب طيب أردوغان تأجيل زيارته المرتقبة إلى غزة في شهر أيار 2013؟ إن
مثل هذا النوع من المطالب، لا يتم فرضه بصوت عال. في الحقيقة، كان جون كيري يهدف
إلى تهدئة الكونغرس الأمريكي الذي يُعادي حركة حماس التي تُسيطر على قطاع غزة بيد
من حديد. ولكن ليس هناك خيار آخر أمام أردوغان إلا الذهاب إلى غزة، لكي يستطيع
إسداء النصائح بالبراغماتية أمام إسلاميي حماس، وحثّهم على الاعتراف بحق وجود
الدولة الإسرائيلية.
ليس
من قبيل الصدفة أن باراك أوباما سيستقبل أردوغان في واشنطن بمنتصف شهر أيار، لقد
أصبحت تركيا الأداة الأولى للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأوسط. إن الأمريكيين
مُعجبون بروح العمل في تركيا وازدهارها وديموقراطيتها ونظامها العثماني الجديد
الذي لا يبتعد عن إطار الأمم المتحدة. أصبحت تركيا بالنسبة للولايات المتحدة
شريكاً أكثر أهمية بكثير من مصر. بالنسبة لتركيا، ما زالت الولايات المتحدة
نموذجاً يجب اتباعه في المجالات الجامعية والصناعية والتكنولوجية.
لا
شك أن تركيا ستقوم بدور حاسم في الحوار المباشر الذي ينوي الأمريكيون افتتاحه مع
الفرس بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية بتاريخ 14 حزيران. لقد طلب الأمريكيون من
الأوروبيين مقاطعة إيران وليس مقاطعة تركيا التي ما زالت تستفيد من استثناءات خاصة
تسمح لها بالاستمرار في استيراد الغاز الإيراني، ودفع ثمنه بواسطة سبائك الذهب. لا
تريد إدارة أوباما سماع الحديث حول حرب "وقائية" ثالثة في الشرق، وتعتبر
أنه ما زال ممكناً التوصل إلى "صفقة" مُشرّفة مع إيران.
للأسف، يبدو أن فرنسا أصبحت مُهمّشة في هذا
الرهان الكبير والجديد. في شهر أيار عام 2007،
اقترح علي لاريجاني، عندما كان الرجل الثالث في النظام الإيراني والمسؤول
عن الملف النووي والعسكري والخارجي، في مقابلة مع صحيفة الفيغارو أن تقوم فرنسا
بدور الوسيط النزيه بين واشنطن وطهران. ولكن هذا الاقتراح فشل بسبب حفنة صغيرة من
الدبلوماسيين المحافظين الذين يُسيطرون على وزارة الخارجية الفرنسية وقصر
الإليزيه. لقد خسر المحافظون الجدد في واشنطن منذ وقت طويل نفوذهم في وزارة
الخارجية الأمريكية، وتستعد الولايات المتحدة الآن لتكليف تركيا بدور "الوسيط
النزيه" (honest broker) في الشرق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق