صحيفة اللوموند
20 نيسان 2013 بقلم بنجامان بارت Benjamin Barthe
هل
بدأت جغرافية النزاع السوري بالتغيّر؟ في الوقت الذي حققت فيه القوات الحكومية بعض
التقدم في شمال ووسط سورية خلال الأسابيع الأخيرة، انتشر التمرد في منطقة درعا
وكامل جنوب سورية حتى الحدود مع الأردن. لقد استولى المقاتلون المعارضون للأسد على
قاعدتين عسكريتين ومدينة داعل الواقعة على المحور الإستراتيجي بين دمشق ودرعا،
وبدؤوا بقطع إمدادات وحدات الجيش النظامي المنتشرة في هذه المنطقة، وتُشير المعارك
التي نشبت يوم الأربعاء 10 نيسان في الصنمين إلى أنهم يتقدمون باتجاه العاصمة.
لا
شك أنه من المبكر جداً تأكيد أن خلاص المتمردين السوريين سيأتي من الجنوب، في حين
أن المتمردين في الشمال يُعطون الانطباع باختناقهم في معارك فوضوية. يستفيد
المتمردون السوريون في الجنوب من الجهاديين، ولاسيما من جبهة النصرة التي أعلنت
مؤخراً انتماءها إلى تنظيم القاعدة. ولكن هناك خطة تم إعدادها لاستئناف التمرد
انطلاقاً من درعا، وقد بدأ تنفيذها. لقد حصلت صحيفة اللوموند على معلومات متطابقة
من أحد مسؤولي المعارضة وضابطين اثنين مُنشقين وأحد المحللين الأجانب تُشير إلى أن
السعودية والأردن والولايات المتحدة يتحركون في هذا الاتجاه. تم تقسيم العمل على
الشكل التالي: تقوم الرياض بتمويل شراء الأسلحة، وتُشرف واشنطن على عمليات
التدريب، وتُقدّم عمّان أراضيها لهذا الطرف وذاك. إن المستفيدين من هذه الإجراءات
هم المجموعات المنضوية تحت اسم الجيش السوري الحر، والتي اختارها ويقوم بقيادتها
الجنرال أحمد النعمة، وهو ضابط سابق في الجيش النظامي، ومعروف بانفتاحه وحذره من
الإسلاميين.
يأمل
عرّابو هذه الخطة بتحسين مهنية وقوة مقاتلي الجيش السوري الحر، بالإضافة إلى إضعاف
فصائل الجهاديين الذي يتم تمويلهم من قبل بعض الأغنياء الكويتيين. قال أحد مسؤولي
المعارضة المشاركين في الخطة دون الإفصاح عن اسمه: "قرر السعوديون
والأمريكيون العمل مع القوميين بشكل يُهمّش المتطرفين. يجب علينا استخلاص الدروس
من الأخطاء المرتكبة في الشمال. لم يعد هناك داعي لإطلاق النار بشكل عشوائي من أجل
الظهور على تلفزيون الجزيرة، دون الاهتمام بمصير المدنيين الذين يدفعون ثمن عمليات
الانتقام المباشرة من النظام. لقد خسرنا بسبب ذلك الكثير من الدعم لدى
السكان". أشار هذا المصدر إلى أنه تم تجهيز وتدريب أربعة آلاف مقاتل ضمن هذا
الإطار في درعا، وتم إرسالهم على موجات متتابعة إلى الغوطة في شرق دمشق، وهم
يشاركون في الجهود الهادفة إلى محاصرة العاصمة شيئاً فشيئاً. قال هذا المعارض
مسروراً: " مهما بدا ذلك غريباً، إنها النتائج الأولى لهذه التجربة التي تقوم
بها السعودية لدعم المقاتلين العلمانيين ".
اختلف الأمر عما كان عليه الوضع سابقاً. كان
السلفيون في أغلب الأحيان أول المستفيدين من مساعدة المملكة الوهابية في ربيع عام
2012. في ذلك الوقت، كان الوسطاء ينقلون الأسلحة عبر تركيا التي كان جزء من حدودها
مع سورية في طور الوقوع بأيدي المتمردين. فيما يتعلق بقطر البلد العربي الأكثر
تحركاً ضد نظام الأسد، فإنه يقوم بالشيء نفسه، ولكنه يُرسل الأسلحة إلى المجموعات
المُقرّبة من الإخوان المسلمين. ساهمت هذه الممارسات في تفتيت التمرد. قال أحد
المتابعين لهذا الملف: "قررت السعودية في فصل الخريف نقل جهودها باتجاه
الأردن لثلاثة أسباب: أولاً، لأن شمال سورية أصبح يشبه ساحة شاسعة يُمضي فيها
المتمردون أغلب أوقاتهم في تصوير أنفسهم بدلاً من القتال. ثانياً، لأن أجهزة
الاستخبارات الأردنية أكثر ذكاء من نظرائهم الأتراك في مجال هيكلة هذا النوع من الشبكات
التي كانت تميل إلى تفضيل التعامل مع قطر. ثالثاً، لأن الحدود الجنوبية أكثر قرباً من دمشق بالمقارنة
مع الحدود الشمالية".
أشار
هوغ غريفيث Hugh Griffeths، الباحث في معهد أبحاث السلام
العالمي في استوكهولم والمتخصص بملاحقة تجارة السلاح، إلى أن الطائرات الكرواتية
المُحمّلة بأسلحة مُمولة من السعودية بدأت بالهبوط في عمّان في نهاية عام 2012.
وكانت النيويورك تايمز قد كشفت في نهاية شهر آذار عن هذه الإجراءات، وأحصت حوالي
ثلاثين عملية من هذا النوع. أظهرت صور الفيديو التي نشرها المدون والخبير بالمعدات
الحربية إليوت هيغنز Eliot Higgins على الأنترنت، أن وجود هذه الأسلحة الكرواتية (مدافع عديمة
الارتداد وقاذفات للقنابل اليدوية وصواريخ مضادة للدبابات) ساهم في زيادة القدرة
الهجومية للمتمردين. قال أحد المُحللين الغربيين: "إن جنوب سورية أكثر
تحصيناً وتسليحاً بالمقارنة مع شمال سورية بسبب قربه من إسرائيل. إن مجرد نجاح
المعارضة في التحرك بهذه المنطقة وإحرازها بعض الانتصارات، يدل على وجود ممر
لإرسال الأسلحة الثقيلة".
ولكن
معلوماتنا تشير إلى أن نقل مخزون هذه الأسلحة من درعا إلى الغوطة يصطدم بعقبة
كبيرة. قامت هيئة الأركان السورية مؤخراً بنشر وحدة مدرعة في العتيبة الواقعة على
الطريق المتجه نحو الجنوب في وسط الصحراء. يواجه رجال الجيش السوري الحر صعوبة
كبيرة في التخلّص من هذه العقبة بسبب عدم امتلاكهم أسلحة بعيدة المدى. ولكن النظام
الذي اعتاد على إستراتيجية الأرض المحروقة في شمال سورية، قام بالرد على التقدم الذي حققه خصومه
عبر قصف عشوائي على المناطق المأهولة. أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن
هذا القصف العشوائي أدى إلى قتل حوالي أربعين شخصاً في الصنمين بتاريخ 10 نيسان.
كما تعرضت داعل إلى قصف شديد قبل عدة أيام من هذا التاريخ. لا شيء يضمن بأن
إستراتيجية الجنوب ستكون مُثمرة بالنهاية. ولكن في الوقت الحالي، تمثل هذه الجبهة
الورقة الوحيدة بأيدي المتمردين لإخفاء تراجع المعارك في الشمال، نظراً للترقب
الحالي السائد في العواصم الغربية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق