مجلة باري ماتش الأسبوعية 12 أيلول 2013 بقلم
ألفريد دومونتيسكيو Alfred
de Montesquiou
كان
السجناء راكعين في ساحة القرية، رؤوسهم محلوقة، وعيونهم معصوبة، وأيديهم مربوطة
خلف ظهورهم، لكي يستمعوا إلى حكم المتمردين. يُوصف هؤلاء الرجال بأنهم "شبيحة"
و"أشباح" ومجرمي الميليشيات المكروهة التابعة لنظام بشار الأسد.
إن هؤلاء الرجال الأربعة متهمون بارتكاب أعمال اغتصاب ونهب وقتل وتسليم مجموعة من
الشباب المتمردين إلى الحكومة. أدانتهم المحكمة الشرعية في حلب بالإعدام. ستجري
عمليات الإعدام يوم السبت 31 آب في مدينة إعزاز وثلاثة مدن أخرى في شمال سورية
بالقرب من الحدود التركية. يصغي الأسرى إلى الحكم بهدوء وهم مستسلمين مثل القطعان
الذاهبة للذبح. ربما كان يأملون بإعدامهم برصاصة بالرأس، ولكن ذلك لم يحصل. قامت
مجموعة بوضع أحدهم على ظهره، ثم ظهرت السيوف فجأة. حاولوا قطع رأسه، ولكنهم فشلوا.
تدفق الدم بغزارة. انقض عليه الجلاد لقطع رقبته بخنجره. كانت هذه الطقوس المرعبة
تستمر نصف ساعة في كل مرة. هناك بعض الصور التي لا يمكن نشرها، ويظهر فيها رجل
يرتدي بذلة عسكرية وهو يصرخ ألماً مع انفتاح أنبوبه التنفسي بتأثير نصل السيف. قال
الشاب الذي قام بتصوير هذه الصور المرعبة: "كان هذا الرجل المدان الأخير.
لقد نجح بفك قيوده. ضاعف الألم من قوته، وكان لا بد من أربعة متمردين للإمساك به
أثناء ذبحه". كان السكان ينظرون إلى هذا المشهد مبتسمين، وقال المصور: "لقد
عانوا كثيراً من النظام لدرجة أنني أعتقد بأنهم كانوا مسرورين". إن الأمر
المزعج بشكل خاص هو وجود بعض الأطفال الذين يشاهدون ذلك جالسين بهدوء في الصف
الأول لكي لا يضيع عليهم أي شيء من هذا العرض...
تخطى
المتمردون مرحلة أخرى في الوحشية بهذه الحرب الإعلامية الدائرة بين النظام والتمرد
السوري لإهانة بعضهم البعض. في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الأمريكية تتأكد من
صحة فيديوهات الأطفال الذين تعرضوا لغاز الساران في ضواحي دمشق من قبل الجيش
النظامي، فإن تراكم هذه الصور لوحشية المتمردين أشاعت الإضطراب والتقزز. يزداد عدد
هذه الصور التي تتسرب من سورية أكثر فأكثر مع مرور الأشهر. في شهر أيار، أظهر شريط
فيديو أحد القادة المتمردين وهو يأكل قلب جندي ميت. في الأسبوع الماضي، نشر موقع
النيويورك تايمز شريط فيديو جديد يُظهر
إعدام سبعة معتقلين عسكريين. نرى في شريط الفيديو زعيم متمرد صغير في منطقة حارم
وهو يحمل المسدس بيده، وينشد شعرا بمثابة الحكم أمام السجناء الراكعين على الأرض،
وقال: "باعتبار أنه لا دين لكم ولا أخلاق، نقسم بسيد العرش هذا القسم:
سننتقم. ستدفعون الثمن ضعفين عن كل قطرة دم سالت. حان وقت إراقة الدم...".
هذا الرجل هو عبد الصمد عيسى (37 عاماً)، وظهر بوجه مكشوف، كما لو أنه يفخر بتنظيم
هذه المجزرة مع رجاله أمام الكاميرا. انتظر عبد الصمد عيسى عدة ثواني، ثم أعدم أحد
السجناء برصاصة في الرقبة. ظهر الاضطراب عليه قليلاً، وبدا واضحاً أنه غير معتاد
على ارتكاب جرائم الحرب أمام الكاميرا. ثم قام معاونوه بالشيء نفسه مع بقية الرجال
على الأرض.
إن
هذه المشاهد المروعة التي تتسرب عبر
الأنترنت في بلد مغلق أكثر فأكثر أمام الصحفيين، تُعزز الخوف من أن تؤدي الضربات
الأمريكية إلى دعم التمرد وانحرافاته. من المفترض أن تكون الضربات الأمريكية
الجوية عقاباً لنظام بشار الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع، ولكن
كان من الممكن أن ينجم عنها تحالفاً غير طبيعي. إن الولايات المتحدة وفرنسا
تستبدلان عدواً معروفاً هو بشار الأسد بعدو مجهول هو تمرد متعدد الأشكال ومفعم
بالمرارة ومنقسم ولا يمكن السيطرة عليه ويخترقه الجهاديون الدوليون ويعلن أحياناً
أمام الجميع تحالفه مع تنظيم القاعدة. قال أحد الخبراء العسكريين المقربين جداً من
الملف السوري: "المشكلة في التدخلات الدولية هي أنها نادراً ما تدعم الناس
لأنهم طيبون. إن التدخل هو باسم المصالح أو المبادىء الخارجية، ويتم التأقلم مع
أولئك الموجودين على الأرض".
إن
فيديو جريمة الحرب التي ارتكبها عبد الصمد عيسى تمثل رمزاً لما يحصل اليوم على
الأرض في سورية. يؤكد هذا الرجل سيطرته على ثلاثمائة رجل في كتيبته المسماة جند
الشام. إنه من مواليد حماة التي قُتِل فيها والده أثناء التمرد الإسلامي الكبير
عام 1982، وقمع النظام هذا التمرد بالدم. كان بائعاً للماشية، وتجارته مزدهرة
نسبياً، ولكنه حافظ على حقد عنيف تجاه النظام. دخل السجن مرتين قبل التمرد في شهر
آذار 2011، وأقسم منذ ذلك الوقت على إبادة جميع العلويين. قام بتأسيس كتيبته
معتمداً على أمواله الخاصة في نهاية عام 2011 في الهضاب الشمالية ـ الغربية
السورية. يُطلق عليه سكان القرى في المنطقة اسم "العم" احتراماً
لغناه، ولأن العديد من أولاد إخوته يتواجدون مع المقاتلين. تضم كتيبته أيضاً ضابط
منشق من الجيش النظامي، وأحد الشباب المبتدئين في صناعة المتفجرات نظراً لأنه يجد
صعوبة في تطبيق تعليمات صناعة القنابل محلياً بعد الحصول عليها من الأنترنت. عندما
كانت المعارك الضارية تحتدم في مدينة إدلب ربيع عام 2012 ـ في الوقت الذي تم فيه
تصوير الفيديو ـ ، كان عبد الصمد ورجاله يهتمون بالتهريب على الحدود التركية
وبالدعاية الإعلامية المضللة. لديهم قمصان عليها شعار الكتيبة الذي يتمثل بفارس
يحمل بندقيته، ويصورون أنفسهم وهم يغنون الأناشيد الدينية.
أكدت
دوناتيلا روفيرا Donatella Rovera، المحققة لدى منظمة العفو الدولية وتتكلم اللغة العربية، قائلة: "في
الحقيقة، إن هذا الفيديو لعمليات القتل أمر عادي نسبياً، لأن من مثل هذا النوع من
أعمال الترهيب تزداد وتيرته أكثر فأكثر". تعرف دوناتيلا روفيرا سورية
الحالية أفضل من الكثيرين، إنها ترتدي الحجاب لكي لا تلفت الأنظار إليها، وتقضي
أسابيع متوالية وأحياناً عدة أشهر في التنقل داخل مناطق المتمردين في شمال سورية.
تزداد المصاعب في كل رحلة داخل هذه المناطق التي اجتاحتها الحرب الأهلية وأدت إلى
مقتل أكثر من مئة ألف شخص بالإضافة إلى مليوني لاجىء. خلال إقامتها الأخيرة في شهر
تموز، كانت ممنوعة من دخول مناطق واسعة تُسيطر عليها المجموعات الجهادية التي
تزداد قوة وتشدداً. قال دوناتيلا روفيراً: "أعتقد أنه هذا هو الشيء
الأساسي الجديد خلال الأشهر الأخيرة: لم يعد الجهاديون خائفون من إظهار نفسهم أو
تطبيق قوانينهم، الأمر الذي يشير إلى أنهم يعتبرون نفسهم في وضع قوي بالمقارنة مع
المجموعات الأخرى".
أحصت
الاستخبارات الأمريكية حوالي 1200 كتيبة مقاتلة في سورية، وتضم ما بين مئة ألف
ومئة وخمسين ألف رجل مسلح. كان من المفترض أن تشرف عليها القيادة العسكرية العليا
التي تم تشكيلها في شهر كانون الأول 2012، ولكن أكثر من نصف هذه المجموعات لم تعلن
ولاءها لهيئة أركان الجيش السوري الحر. وحتى داخل هذه المجموعات، فإن سلطة الجنرال
سليم إدريس الذي يترأس القيادة الموحدة ما زالت رمزية جداً. هناك سلسلة من
التحالفات المتحركة وأحياناً المتناقضة بين الفصائ العائلية والقروية والمجموعات
شبه المافيوية والوحدات الإسلامية المنشقة في شمال سورية. غالباً ما تسود الفوضى
مع الشريعة الإسلامية داخل المناطق المحررة. تضاعفت عمليات الخطف بشكل كبير. بالإضافة
إلى العديد من الرهائن السوريين، هناك
خمسة عشر صحفي غربي على الأقل مختطفين في سورية، ومنهم ديدييه فرانسوا والمصور
إدوار إلياس، بالإضافة إلى فرنسيين إثنين آخرين. ما زالت أغلب عمليات الخطف سرية،
ولكن أجهزة الاستخبارات مقتنعة بأن الإسلاميين قاموا بأغلب عمليات الخطف: إما بسبب
الحقد ضد الغرب، أو للحصول على الفدية التي تصل إلى أكثر من أربعمائة ألف دولار.
بالنسبة للجهاديين الراديكاليين الذين ازداد عددهم كثيراً خلال السنتين الماضيتين،
إنهم مقتنعون بأن التدخل الغربي المحتمل سيكون خدعة تهدف إلى قصف مخيمات المتمردين
المقربين من تنظيم القاعدة بشكل سري.
تُقدر السلطات الفرنسية أن هؤلاء الراديكاليين
لا يشكلون إلا عشرين ألف مقاتل، وأن نصفهم من الأجانب. أكد أحد المقربين من الملف
قائلاً: "أفرج النظام أيضاً عن حفنة من المتطرفين، ووعدهم بالتباهي بهم
كأحفاد بن لادن". ما زال الكثيرون في واشنطن وباريس مقتنعين بأن تسليح
وتمويل الجيش السوري الحر سيؤدي في النهاية إلى توحيد أكثر من ثلثي المقاتلين
المتمردين. تتجه الأنظار بشكل خاص إلى الجنوب الذي ما زال التمرد فيه أقل قوة بشكل
واضح، ولكنه أفضل تنظيماً وتمويلاً. لأنه إذا كانت الحركات الراديكالية قد حققت
تقدماً كبيراً على الأرض، فإن السبب هو أن الكثير من المتمردين ليس لديهم خيار آخر
غير الاعتماد على أموال دول الخليج والجهات المانحة الخاصة. من أجل الحصول على هذه
الأموال، يجب عليهم التحالف مع الإسلاميين الأفضل تنظيماً على الصعيد الدولي. تم
الإعلان عن إنشاء التجمع الإسلامي المنافس للجيش السوري الحر في خريف عام 2012 تحت اسم "الجبهة
الإسلامية لتحرير سورية" التي تضم أكثر من ثلاثين ألف مقاتل. تعرضت هذه
الجبهة أيضاً للمنافسة من قبل بعض المجموعات الراديكالية القوية جداً، ومنها جبهة
النصرة التي تضم عشرة ألاف رجل من بين الأكثر تصميماً وتمرساً بالحرب في سورية.
ارتكبت جبهة النصرة العديد من عمليات التفجير، ووضعتها الأمم المتحدة والولايات
المتحدة في النهاية على قائمة المنظمات الإرهابية. ولكن منذ عدة أشهر، بدأت مجموعة
أخرى أكثر راديكالية بالصعود بسرعة هي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام:
إنها الإمارة التي يريد ناشطو تنظيم القاعدة فرضها على المنطقة بأسرها. تُقدر
أجهزة الاستخبارات الغربية عدد مقاتلي تنظيم القاعدة في سورية بخمسة ألاف رجل.
فيما يتعلق بالمقاتلين الموجودين بالقرب من الرقة ودير الزور، فإن أغلبهم من
المقاتلين العراقيين. تُسيطر وحدة شيشانية على جزء كبير من الجبل في شمال ـ غرب
سورية. قام رئيس مجموعة ثانية، وهو تونسي، بقتل أحد القادة المحليين للجيش السوري
الحر في كمين.
يسود
القلق لدى سكان القرى المسيحية في المنطقة، ويتحدث بعضهم خفية عن ابتزاز واضطهاد، كما
هو الحال في معلولا التي استولى عليها المتمردون بقيادة جبهة النصرة في الأسبوع
الماضي. إنها أحد آخر الأماكن في العالم التي تتكلم اللغة الآرامية، لغة المسيح.
يؤكد سكان معلولا أن المتمردين نهبوا الكنائس وهددوا بالقتل أولئك الذين يرفضون اعتناق
الإسلام. قال مصدر يعمل في هذه المنطقة بشكل منتظم: "إنهم دمويون لدرجة
أنه حتى بقية المتمردين يخافون منهم. إن الأمل الأخير هو تسليح ودعم التمرد
الجمهوري والمعتدل لكي يستطيع مواجهتهم. ولكن كلما انتظرنا، كلما ازداد اليأس،
وكلما تراجع التمرد المعتدل على الأرض".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق