الصفحات

الجمعة، ٢٧ أيلول ٢٠١٣

(سورية: أنترنت وأكاذيب وفيديوهات)

مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 26 أيلول 2013 بقلم سارا دانييل Sara Daniel

     يتقدم متمرد سوري والسكين بيده نحو جثة في خندق موحل، ثم انقض بشراسة على الجثة لتقطيعها، وانتهى بانتزاع قطعة من أحشائها ينزف الدم منها، وقال أمام الكاميرا أنها قلب الضحية، ولكنها في الحقيقة كانت قطعة من كبده يحملها بين أسنانه، وصرخ بصوت عالي: "أقسم أمام الله أننا سنأكل قلوبكم وأكبادكم أنتم الكلاب جنود بشار". استطاع بعض الصحفيين العثور على هذا الرجل أبو صقر، واسمه الحقيقي خالد الحمد، الأمر الذي يؤكد صحة الفيديو الذي نشره المتعصبون للنظام على الأنترنت. ولكن على الرغم من إدانة ممثلي المعارضة لهذا العمل البشع، فإنه لم يتم إظهار الفيلم باعتباره استثناء بشعاً في بلد أصبح مجنوناً بسبب الحرب الأهلية المرعبة، واعتبره أصحاب الدعاية المضللة للنظام أنه برهان على الصورة الوحشية للجهاديين.
     قامت جميع مواقع الأنترنت للدعاية المضللة لمؤيدي الأسد بنشر هذا الفيديو على نطاق واسع، وتمثل هذه المواقع تجمعاً غريباً أكثر فأكثر. في الحقيقة، تعتمد دمشق على دعم الناشطين الروس المقربين من بوتين، والمجموعات المسيحية الخائفة فعلاً من عمليات الترهيب التي تتعرض لها الجاليات المسيحية في الشرق الأوسط، والمدافعين عن نظرية المؤامرة، وأنصار اليمين الأمريكي المتشدد الذي يحركه حقده لأوباما، وأصحاب النزعة المسالمة لدى اليسار الذي يشعر بالصدمة بعد الحروب في العراق وأفغانستان، ويرفضون جرّهم إلى نزاع جديد. سمحت هذه الصور للبعض بمقارنة سلوك هذا الوحش المتعصب رئيس إحدى المجموعات الصغيرة، مع سلوك نظام قام بمأسسة الرعب، وذلك على الرغم من سقوط مئة ألف ضحية في النزاع السوري واستخدام الغازات الكيميائية ضد الأطفال.
     ولكن مقابل هذا الفيلم الحقيقي فعلاً، كم هو عدد ممارسات التضليل والوثائق المزيفة أو الحقيقية التي تظهر في أوقات حاسمة؟ كما هو الحال بالنسبة للفيديو الذي بثه الموقع الإلكتروني لنيويورك تايمز عن إعدام بعض الجنود السوريين بدون محاكمة، وذلك عشية اليوم الذي كان يفترض أن يعلن فيه الكونغرس عن موقفه حول توجيه الضربات ضد سورية، وعلى الرغم من أن هذا الفيديو تم تصويره عام 2012. أو تلك الصور التي يعود تاريخها إلى عام 2011، ونرى فيها رمي جثث الجنود من أعلى أحد الجسور في قرى حماة. ولكن المتمردين قدموا البرهان على أنه لا يوجد جسر في هذا المكان. لقد تم بث جميع هذه الفيديوهات الحقيقية أو المفبركة، وهذه الشهادات الصحيحة أو الكاذبة حول وحشية المتمردين، على حسابات في الفيسبوك والتويتر لمجموعة من القراصنة الحكوميين باسم الجيش الإلكتروني السوري. يهدف هذا الجيش إلى تعزيز شكوك الرأي العام باعتباره شاهداً عاجزاً أمام المجزرة السورية، بشكل أدى إلى خلط سخطهم بشكوك متزايدة: أصبح الأنترنت من الآن فصاعداً مشبوهاً.
     كيف استطاعت وسائل الإعلام المؤيدة للأسد الانتصار في معركة المعلومات؟ متى أدرك النظام أن المعارضين السوريين والحجم الهائل من أفلام الفيديو ذات الدقة المتواضعة التي ينشرونها على اليوتوب، ستصبح أسوأ وسيلة لإدارة قضية المعارضين؟ في الحقيقة، يلجأ نظام دمشق منذ وقت طويل إلى خدمات المستشارين الإعلاميين (Spins doctors) الغربيين الذين نجحوا في الماضي بنشر تحقيق مصور عن السيدة السورية الأولى في مجلة فوغ الأمريكية بعنوان: "وردة في الصحراء"، وركز التحقيق على جمالها وذكائها. أشارت الوثائق التي سربتها الويكيليكس إلى أن شركة Brown Lloyd James للعلاقات العامة هي التي قامت بتنظيم هذه الحملة، واستمرت بتقديم نصائحها حتى شهر أيار 2011. هل قرر النظام عام 2011 بناء على نصائح هذه الشركة تحرير الأنترنت والتوقف عن مراقبة فيسبوك وتويتر، وذلك بعد أن قطع الأنترنت بشكل كامل؟ ثم وقع المتمردون في هذا الفخ.  وهكذا استطاعت شرطة الأنترنت السورية اكتشاف الناشطين واعتقالهم من خلال الوصول إلى عنوانهم الإلكتروني (IP) وأرقام التعريف  الخاصة بأجهزة حواسبهم. أصبح الأنترنت المفتوح أمام الجميع قناة لجميع المتطرفين الذين لا تخدم صورهم مصلحة الثورة، وقام أصدقاء النظام بالبقية.
     هناك في المقام الأول بعض المجموعات المسيحية الخائفة من صعود الإسلاموية في سورية. على سبيل المثال، أدانت وكالة أنباء الفاتيكان Fides المجزرة التي تعرض لها المسيحيون في حمص، ولكنها لم تحصل إلا في مخيلة القائمين على موقع الأنترنت السوري (الحقيقة)، وهو موقع للدعاية المضللة للنظام. هناك أيضاً الشخصية الغريبة للراهبة أنييس مريم دولاكروا Agnès-Mariam de la Croix، إنها راهبة فرنسية ـ لبنانية مرتبطة بالسلطة، وقامت بتنظيم رحلة زميلنا جيل جاكييه الذي قُتِل في حمص بتاريخ 11 كانون الثاني 2012. أشارت هذه الراهبة في إحدى خطبها الدينية الغريبة إلى أن الصحفية صوفيا عمارة Sofia Amara، التي كانت من أوائل الصحفيين الأجانب الذين دخلوا سراً إلى سورية، دخلت إلى جامع مزيف وخدعها متدينون مزيفون يتعاطون المخدرات. إنها تكرر دوماً في جميع وسائل الإعلام  التي ما زالت تستضيفها بأن أفلام الفيديو حول الهجمات الكيميائية هي أفلام مزيفة، وأن المتمردين الأصوليين يرتكبون المجازر على نطاق واسع ضد المدنيين، ويقومون بسلسلة من عمليات الاغتصاب، كما اتهمت بعض المنظمات المسيحية بالسعي عمداً إلى إخفاء هذا الترهيب.

     هذا هو أيضاً حال مؤسس شبكة فولتير تييري ميسان Thierrry Meyssan الذي لا يتوقف عن إدانة مؤامرات الغرب ووسائل إعلامه. قيل في أحد الأوقات أنه مات في ليبيا، عندما كان يدعم القذافي، وهو صاحب كتاب (الخديعة الكبرى) الذي يعزو عمليات التفجير بتاريخ 11 أيلول إلى الأجهزة السرية الأمريكية، وهو يعيش اليوم بين دمشق وبيروت. كما يقوم بالكتابة في الموقع الإلكتروني InfoSyrie الذي يمثل وسيلة الدعاية المضللة باللغة الفرنسية للنظام السوري، هذا الموقع الذي يفسح المجال أمام الناشطين في اليسار المتطرف واليمين المتطرف اللذين يجمعهما الرفض المشترك للإمبريالية الأمريكية. يقوم هذا الموقع غالباً بنشر كتابات الناشط البلجيكي ميشيل كولون Michel Colon المعروف بعدائه للولايات المتحدة وعدائه للسامية، ويكتب في مدونة Investig’Action. تقوم شركة Riwal برعاية موقع InfoSyrie، وهي شركة إعلانية يملكها أحد المقربين من إدارة حزب الجبهة الوطنية فريدريك شاتيون Frédéric Chatillon. تمثل محطة روسيا اليوم للأخبار وسيلة أخرى للدعاية المضللة لدى بشار الأسد، وهي ناطقة باللغات الإنكليزية والعربية والإسبانية من أجل محاربة الصورة السلبية لروسيا وللنظام السوري في الخارج. تتم استعادة أغلب تحليلات محطة روسيا اليوم من قبل الموقع الإلكتروني JihadWatch، الذي يملكه روبرت سبينسر Robert Spencer المعادي للإسلام، أو  من قبل موقع Stop the War للبرلماني البريطاني السابق جورج غالاوي من اليسار المتطرف،  وقد قام جورج غالاوي بدور في رفض مجلس العموم البريطاني للضربات ضد سورية. فيما يتعلق بالمذيع الأمريكي راش ليمبوغ Rush Limbaugh المقرب من حركة Tea Party، فإنه يتهم باراك أوباما صراحة بأنه ساعد المعارضة السورية في تنظيم الهجوم الكيميائي. إنهم مجموعة متنافرة استطاعت غزو وسائل الإعلام والأنترنت، وتزويد الغرب بذريعة للمساواة بين الطرفين في سورية، والسماح بغرق البلد في الفوضى والحرب الأهلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق