صحيفة الفيغارو 29 آب 2013 ـ مقابلة مع
رئيس قسم التاريخ المعاصر في الكوليج دوفرانس هنري لورانس Henry Laurens ـ أجرى المقابلة ماري ليتيسيا
بونافيتا Marie-Laetitia
Bonavita
سؤال:
هل التدخل في سورية أمر جيد؟
هنري لورانس:
إن دوري ليس إعطاء العلامات الجيدة أو السيئة. إن هذا التدخل يتعلق بمصداقية
المجتمع الدولي أكثر من كونه رداً على الأعمال التي ارتكبتها الحكومة السورية منذ
سنتين ونصف ومقتل أكثر من مئة ألف شخص، وذلك نظراً لأن باراك أوباما حدد استخدام
الأسلحة الكيميائية كـ "خط أحمر" لا يجب على النظام السوري أن
يتجاوزه.
سؤال:
ما هي الأخطار العسكرية لمثل هذا التدخل؟
هنري لورانس:
تعتمد هذه الأخطار بشكل كامل على طبيعة التدخل. لا يوجد أخطار إذا كانت العملية
عبر الصواريخ بعيدة المدى باستثناء الكلفة المالية. بالمقابل، إن التدخل بالطائرات
يحمل خطراً حقيقياً نظراً للمستوى الجيد جداً لوسائل الدفاع الجوي السوري التي
نجحت قبل عدة أشهر بإسقاط طائرة تركية. هناك خطر آخر ليس أقل أهمية هو الكلفة
البشرية في حال أدى قصف الأسلحة الكيميائية إلى تناثر الغازات الموجودة فيها. من
أجل تجنب هذا الخطر، يجب الاقتصار على قصف الصواريخ التي تسمح بنقل الغازات
الكيميائية، ولكن يجب معرفة مكانها. من الممكن أن يتركز الهجوم أيضاً على مراكز
القيادة السورية، وهو أمر يمثل رمزاً هاماً، أو قصف أماكن المواجهات بين القوات
المسلحة والجيش السوري الحر. في هذه الحالة، من الأفضل الابتعاد عن الجبهة
الشمالية التي يسيطر عليها الجهاديون، والتركيز على الجبهة الجنوبية التي يتواجد
فيها الجيش الحر الذي تدربه الولايات المتحدة والأردن والسعودية، ويستفيد من بعض
الإشراف الخارجي. إن القيام بهجوم ينطلق من الجنوب ربما يؤدي إلى تجاوز العقبة
التي تعرقل الطريق إلى دمشق التي يُسيطر عليها جيش بشار الأسد.
سؤال:
إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من الجانب العسكري، هل من مصلحة الغرب القيام بمثل هذا
التدخل؟
هنري لورانس: إن
هذا التدخل هو عمل سياسي هام بالنسبة للولايات المتحدة. صحيح أن الرأي العام
الأمريكي يعارض هذه العملية، ولكن باراك أوباما يخاطر هنا بمصداقية الولايات
المتحدة في العالم. عندما نقوم بتحديد خط أحمر، ونظهر عاجزين، فإننا نفقد أية سلطة
لممارسة النفوذ في العالم. بالنسبة للغرب بشكل عام، إن الخطر بمعاقبة نظام بشار
الأسد بسبب تجاوزه للخط الأحمر مع استخدام الأسلحة الكيميائية، هو توجيه رسالة إلى
نظام بشار الأسد بأنه يستطيع قتل شعبه بشكل آخر غير الأسلحة الكيميائية. عندها،
سيكون هذا التدخل ضربة سيف في الماء.
سؤال:
ما هو الرد المنتظر من قبل فلاديمير بوتين الذي يدعم النظام السوري؟
هنري لورانس:
برأيي، لا شيء يستحق الذكر، حتى ولو كان فلاديمير بوتين لا يخشى الدخول في حرب
باردة مع الغرب. بالتأكيد، سيستمر الرئيس الروسي بإرسال الأسلحة إلى سورية. ولكن
نظام بشار الأسد الذي يعيش على الإعانات المالية الإيرانية، لن يستطيع الاستمرار بدفع ثمن الأسلحة. كم من الوقت سيقبل
بوتين بهذا الوضع؟ يتراجع معدل النمو الروسي بشكل كبير، ورجال السلطة يفضلون توظيف
أموالهم في حسابات مصرفية في الخارج. لا شك أن بوتين سيتساءل لاحقاً فيما إذا كان
قد ذهب بعيداً في سورية. كما أن سورية لا تمثل مصلحة حيوية لروسيا، كما هو الحال
بالنسبة لبعض الدول المجاورة لها.
سؤال:
ما هي الأخطار الإقليمية لمثل هذا التدخل؟ هل يجب الخشية من ردود الفعل الشيعية
لحزب الله وإيران؟
هنري لورانس:
إن أهم ما تميزت به الأحداث الجارية منذ سنتين في الشرق الأوسط هو تغيير سياسة
السعودية التي وقفت بشكل واضح إلى جانب الغرب. برهنت السعودية على عدائها للإسلام
السياسي خوفاً من أن ينقلب عليها، وذلك عبر معارضتها لبشار الأسد والإخوان
المسلمين ـ وهذا ما أظهرته مؤخراً عندما دعمت الضباط المصريين ـ . من المؤكد أن
السعودية من هذه الزاوية أحرزت بعض النقاط على حساب قطر التي تدعم الإخوان
المسلمين في مصر أو في الجبهة الشمالية في سورية حتى الآن.
فيما يتعلق
بإيران، ما زالت سورية هامة بالنسبة لها. بالتأكيد، تستطيع إيران الاستمرار بإرسال
المزيد من عناصر حرس الثورة للقتال ضد المتمردين في سورية. ولكن لا أعتقد أن
النظام الجديد الذي يحتاج إلى التركيز على الانفتاح السياسي الداخلي، سيفعل أكثر
من ذلك. فيما يتعلق بمسألة حزب الله، إنها أكثر تعقيداً. كانت هذه الحركة السياسية
قبل عام 2000 تتابع سياسة واضحة نسبياً، ولكن الوضع تغير منذ عام 2005. ليس فقط لم
يعد يوجد فيها محاورون حقيقيون، بل أيضاً تصلب موقفها إلى الحد الأقصى بسبب الوضع
الداخلي اللبناني المتجاذب بين السنة والمسيحيين والجهاديين. تكمن قوة الحزب في
ترسانة أسلحته الهائلة التي يستخدمها كعامل للردع تجاه إسرائيل. ما زالت سياسته
غير متوقعة، ويغلب عليها إستراتيجية الجنون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق