صحيفة الفيغارو 13 أيلول 2013 بقلم
مراسلها الخاص في دمشق جورج مالبرونو Georges Malbrunot
بعد
يومين من دخول الجيش إلى معلولا الواقعة على بعد 55 كم شمال دمشق، يواصل الجيش منذ
يوم الخميس 12 أيلول ملاحقة المتمردين الذين تراجعوا إلى أحد أحياء معلولا وإلى
الفندق المُطل على هذه المدينة التي تمثل أحد أبرز المعالم المسيحية في الشرق
الأوسط، وما زال سكانها يتكلمون لغة المسيح الآرامية.
إن
الأغلبية الساحقة من سكان معلولا (ألفي نسمة) هم من الروم الكاثوليك، وقد هربوا من
المعارك منذ نهاية الأسبوع الماضي. هناك الآن متطوعون مسيحيون على الخط الأول إلى
جانب الجيش من أجل طرد المتمردين الذين استولوا على معلولا يوم الأحد 8 أيلول بعد
معارك ليلية أدت إلى مقتل 17 معارضاً وجرح العديد منهم، بالإضافة إلى عشرات القتلى
في صفوف القوات الحكومية.
قالت
ديما ناصيف من تلفزيون الميادين، وهي إحدى الصحفيات اللواتي استطعن الدخول إلى هذه
المدينة المشهورة بكهوفها التي يعود تاريخها إلى القرون الأولى للمسيحية: "تتركز
المعارك في الجزء الغربي من معلولا التي أصبحت مدينة مهجورة. كنت أسمع الجنود
والمتمردين يشتمون بعضهم البعض على مسافة مئة متر. حصلت عمليات نهب للمنازل،
بالإضافة إلى بعض أعمال التخريب المحدودة للأماكن الدينية". استمرت
المعركة التي بدأها المتمردون منذ ثمانية أيام، وهي تهدف إلى إرهاب المسيحيين
وإجبارهم على الرحيل من هذه المدينة الرمز أكثر من قتلهم. ينظر النظام إلى هذه
المعركة بعين الرضى من حيث المبدأ، لكي يسعى للاستفادة من الصدى الإعلامي لهذه
المعارك.
بدأت
المعركة يوم الأربعاء 4 أيلول عندما قام أحد الجهاديين الأردنيين (أبو مصعب)
بتفجير نفسه على حاجز الجيش في مدخل معلولا، مما أدى إلى فتح ثغرة استغلها إسلاميو
جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة لدخول المدينة، ثم انسحبوا منها لصالح
المتمردين الذين جاء أغلبهم من القرى الإسلامية المجاورة، ويرتبطون بالعديد من
الكتائب المتمردة ضد نظام دمشق.
قال
إيلي، أحد سكان المدينة الذين لجاؤوا اليوم إلى العاصمة: "سمعتهم يصرخون:
الله أكبر، وصلنا إليكم يا عبدة الصليب. دخل بعضهم إلى أحد المنازل الساعة السادسة
صباحاً عندما كان الزوجان نائمين. ثم كسروا تمثال العذراء، وطلبوا من الرجل اعتناق
الإسلام لكي يكون تحت حمايتهم". وأشار إلى أن بعضهم يتكلم بلكنة ليبية. ثم أصبح الوضع هادئاً بشكل غريب، ولكن
إيلي كان يشعر بأن أمراً سيئاً يجري التحضير له، وتابع قائلاً: "كان
القناصون يطلقون النار على الذين كانوا يريدون النزول إلى الشارع يوم الخميس 5
أيلول. كنا مجبرين على عدم التحرك، وبقي الناس في منازلهم خائفين. شعرت بأن
المتمردين يتجمعون لخنقنا". في النهاية، استفاد إيلي من فترة هدوء لكي
يهرب إلى دمشق مع خمس علائلات أخرى. ومشى البعض الآخر عبر الحقول حتى قرية عين
التين المجاورة.
في
اليوم التالي، قام المتمردون بنزع صليب كنيسة القديس سيرجيوس، الذي كان معلقاً على
أحد هضاب معلولا. قال رياض، أحد اللاجئين الذين كانوا ينتظرون فرشة تحت قناطر
بطريكية الروم الكاثوليك في المدينة القديمة بدمشق: "بالنسبة لنا، إنه
إعلان حرب حقيقي. إنه البرهان على أنهم يسعون إلى إزالة الوجود المسيحي في معلولا.
يتناقض ذلك كلياً مع ما كان يُقسم عليه بعض المتمردين أمامنا عندما كانوا يستعرضون
قوتهم في شوارع معلولا قائلين: لا تخافوا. نحن هنا لحماية كنائسكم، لن نطلق النار
إلا على الذين يطلقون النار علينا".
سقط أوائل الشهداء صباح يوم السبت 7 أيلول:
قُتِل رجل لأنه حاول الدفاع عن نفسه في منزله، وقُتِل اثنان آخران لأنهما رفضا
اعتناق الإسلام. كما اختفى ثلاثة أشخاص من سكان معلولا، ربما تم اختطافهم. منذ ذلك
الوقت، ما زال هناك حوالي خمس عشرة راهبة وبعض الأيتام منعزلين في دير مار تقلا
داخل الجزء الذي يُسيطر عليه المتمردون. أكدت الراهبات إلى وكالة الأنباء الفرنسية
AFP أنهن في "وضع جيد"، ولكن بعض السكان يعتبرون
أنهن مجبرات على قول ذلك تحت التهديد.
لماذا انتظر الجيش حوالي الأسبوع قبل طرد "الإرهابيين"
حسسب المصطلحات الرسمية؟ أجاب إيلي: "كيف سيستطيع الجيش قصف معلولا، في
الوقت الذي يتواجد فيه الإرهابيون بين المدنيين؟ الآن وبعد رحيل الجميع باستثناء
بعض العائلات المسلمة، أصبح الجيش وطائراته أكثر حرية بالحركة". وقال أحد
سكان معلولا: "بالتأكيد، النظام يستفيد من ذلك. إنها حرب إعلامية
أيضاً".
ترغب
دمشق بإثارة مشاعر الغرب، ولا شك أنها كانت تنظر بعين الرضى إلى الجهاديين الذين
يهددون أحد رموز المسيحية، وذلك في الوقت الذي يُخيم فيه خطر استفادة المعارضين
الأكثر راديكالية من الضربات الأمريكية للتقدم على الأرض. ولكن خلال محادثة هاتفية
في بداية الأسبوع مع بشار الأسد، ربما طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من حليفه
السوري "الانتقال إلى الفعل" في معلولا لحماية المسيحيين الروم
الأورثوذوكس بأغلبيتهم.
اعترف إيلي قائلاً: "صحيح أن الإسلاميين
لم يطلقوا النار بشكل واسع على السكان، ولكن لماذا جاؤوا للسيطرة على معلولا؟ لم
ينخرط الشباب المسيحيون في معلولا بلجان الدفاع الشعبية بعكس بقية القرى
المسيحية". حتى لو لم يتم تدمير أية كنيسة في معلولا، وأن العديد من
المسيحيين ينتظرون تحرير مدينتهم للعودة إليها، فإن الأثر النفسي والسياسي لهذه
المواجهات كبير جداً. بعد الغسانية واليعقوبية، تم إفراغ العديد من القرى المسيحية
من سكانها خلال الأشهر الإثني عشر الماضية. من الممكن أن أن يكون الوضع مقدمة لما
سيكون عليه ما بعد الأسد بالنسبة للأقلية المسيحية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق