صحيفة الفيغارو 2 أيلول 2013 بقلم بيير روسلان Pierre Rousselin
إن النقاش العام المفتوح على الصعيد العالمي حول
الرد المناسب بعد المجزرة بالسلاح الكيميائي في دمشق، يجب أن يكون الفرصة لتوضيح
سياسة مشوشة كلياً حتى الآن حول سورية. لا تستطيع فرنسا بشكل خاص الاستمرار بالرد
على الأحداث دون أن تُحدد بوضوح مصالحها الإستراتيجية وأولوياتها والوسائل التي
تستطيع استخدامها والحلفاء الذين تستطيع الاعتماد عليهم. يجب أن نأمل بأن يكون
النقاش في البرلمان الفرنسي يوم الأربعاء 4 أيلول الفرصة لهذا التوضيح.
ما هي المصالح الإستراتيجية لفرنسا في سورية وفي
المنطقة؟ أليست مصلحتها بأن يسود الحد الأدنى من الاستقرار في الشرق الأوسط لكي
تتمكن كل دولة من تطوير نفسها ضمن إطار احترام حقوق كل شخص، ولاسيما حقوق المرأة
والأقليات؟ أليست مصلحتها أيضاً بأن تتمكن إسرائيل من العيش في بيئة أكثر أماناً
من البيئة التي تتدهور يومياً أمام عيوننا؟ إذا كانت هذه هي أولوياتنا، ماذا ننتظر
لكي نقول ذلك؟ ثم سيكون بإمكاننا التحرك وفقاً لتسلسل أولوياتنا، لأنه يجب
الاعتراف بأن وسائل تحركنا محدودة جداً.
من الممكن تحديد "خطوط حمراء"
حتى ولو لم يتم احترامها كثيراً. من الضروري "حماية السكان المدنيين".
ولكن القيام بذلك غير ممكن، إذا أضعنا الهدف النهائي من ذلك. في مثل هذا العالم
المضطرب، من الضروري تحديد الهدف باعتبار أن الوضع في حالة تحرك دائمة في كل مكان.
يتطلب الحفاظ على الهدف تعديلات مستمرة.
تم ارتكاب الخطأ الأول في بداية التمرد السوري،
أي الاعتقاد بأن بشار الأسد سيسقط بسرعة مثل بن علي في تونس أو مبارك في مصر. كان
هذا الاستخفاف ناجم من خطأ آخر هو الاعتقاد بأن الديموقراطية ستفرض نفسها بسرعة في
المنطقة. الخطأ أمر إنساني، ولكن يجب الاعتراف بهذه الأخطاء بسرعة وإصلاحها.
نشهد اليوم حرباً أهلية دامية ومعقدة جداً في
سورية، وتتكاثر فيها الجبهات والرهانات المتناقضة. اتسع النزاع ووصل إلى الدول
المجاورة. ليس هناك رجال جيدون من جهة، ورجال أشرار من جهة أخرى. حان الوقت لإصلاح
هذا الخطأ في التقديرات الأولية التي تم الحفاظ عليها للمجاملة خلال عدة أشهر.
لا يتعلق الأمر إطلاقاً بدعم الأسد، لأنه لا
يمكن تبرير ذلك أخلاقياً. ولاسيما أن ذلك يعني الدخول في رهان إيران وحزب الله،
وبالتالي تعزيز المحور الأكثر راديكالية في المنطقة. إن انتصار النظام سيكون كارثة
بالنسبة لأهدافنا الخاصة، ولكن هزيمته لن تحل أي شيء، ومن الممكن أن تؤدي إلى
تفاقم الأمور.
لماذا؟ لأن إقامة الأنظمة الإسلامية في المنطقة،
سواء في سورية أو مصر أو دول أخرى، يتناقض مع مصلحة فرنسا. يجب أيضاً التحلي
بالشجاعة لقول ذلك يوماً ما! ينتظر أصدقائنا في المنطقة أن نتحلى بالجرأة للدفاع
عن قيم الجمهورية الفرنسية داخل بلادهم. إذا لم نفعل ذلك، من سيفعله؟
في مالي، كنا نأمل بأننا تعلمنا الدرس، وأن
فرنسا حددت على رأس أولوياتها مكافحة الإسلاموية. ولكننا فعلنا العكس في مصر عبر
دعم نظام الإخوان المسلمين غير الديموقراطي بذريعة انتخاب محمد مرسي للرئاسة بفارق
ضئيل. إن التفكير بتسليح المتمردين في سورية قبل التأكد من أن ذلك لن يستفيد منه
الإسلاميون الأكثر راديكالية، يعني غياباً مقلقاً للنظرة المستقبلية.
إن الجمود الغربي هو السبب فيما وصلنا إليه
الآن. إن الولايات المتحدة في طور الانطواء، ويتمنى باراك أوباما تجنب تدخل عسكري
جديد في المنطقة. إذا كان قد حدد "الخط الأحمر" باستخدام الغازات
الكيميائية في شهر آب 2012، فمن أجل تبرير سلبيته في ذلك الوقت. لقد وقع اليوم في
فخ تعهده بالتحرك.
لن تنتهي الحرب الأهلية في سورية قريباً. حان
الوقت لاحتواء الكارثة، عبر تجنب إضافة المزيد من الفوضى، وعدم تسليح المتمردين
الذين لم ندربهم ولا نسيطر عليهم، وعدم الوقوع في فخ البديل الجهنمي: إما النظام
أو الجهاديين. لا يتطلب ذلك إرسال الجنود إلى الأرض، ومن الممكن أن يحصل عبر إقامة
مناطق عازلة لحماية اللاجئين وفرض منع تحليق الطائرات عبر عمليات سرية يتم القيام
بها انطلاقاً من الأردن...
كل شيء ممكن، ولكن يجب أولاً أن يكون هناك
إستراتيجية منسجمة ومفهومة. بدون توفر مثل هذه الإستراتيجية، لن يكون هناك دعم من
الرأي العام أو من شركائنا. يتطلب ذلك التوقف عن الركض وراء الأحداث والأهداف
المتناقضة لدول الخليج. كما يجب التوقف عن التفكير عبر صيغة "الخطوط
الحمر" و"العقاب" من أجل التوصل أخيراً إلى تحديد
أولويات يمكن تحقيقها عبر المساعدة والوسائل التي يمكن توفيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق