الصفحات

الأربعاء، ٤ أيلول ٢٠١٣

(سورية: الامتناع عن التدخل لا يخلو من الخطر)

صحيفة الفيغارو 3 أيلول 2013 بقلم إيزابيل لاسير Isabelle Lasserre

     أليس من الأفضل اختيار الجمود بين الطاعون والكوليرا، أو بين معارضة يُهيمن عليها الإسلاميون ونظام مكروه؟ بهذا الشكل يمكن تحليل التراجع المفاجىء في لندن وواشنطن حول الملف السوري، ويُشاركهم بذلك جزء من الطبقة السياسية الفرنسية. ولكن منذ الهجوم الكيميائي بتاريخ 21 آب، من الممكن أيضاً أن ينجم عن التردد الواضح للعواصم الغربية نتائج مأساوية على المدى الطويل. لخص أحد الدبلوماسيين الوضع قائلاً: "كان بإمكان العواصم الغربية اختيار موقف الامتناع عن التدخل في الملف السوري، ولكن أصبح من المستحيل عدم التحرك منذ تحديد الخطوط الحمر في واشنطن، ومنذ الموقف الذي اتخذته باريس ضد نظام بشار الأسد".
     الخطر الأول هو زوال المحرمات حول الأسلحة الكيميائية. إن الامتناع عن التحرك يُمثل ضربة خطيرة للقانون الدولي، ويُضعف اتفاقية منع الأسلحة الكيميائية الموقعة في باريس عام 1993، وذلك باعتبار أن القوى العظمى تملك البراهين على استخدام النظام السوري للأسلحة غير التقليدية ضد السكان المدنيين بخلاف الوضع في العراق. ولكن النتائج المترتبة على ذلك تتجاوز مسألة الترسانات الكيميائية ومجزرة دمشق. إن الإمتناع عن التحرك في سورية، يعني أن المجتمع الدولي يوحي بأنه لم يعد هناك أي عائق أمام الذين يتحدون القواعد الدولية الأساسية.
     ربما يفقد الكلام الغربي مصداقيته لفترة طويلة. تساءل مدير مؤسسة الأبحاث الإستراتيجية (FRS) كامي غراند Camille Grand قائلاً: "إن التخلي عن الرد سيسمح بالقول أننا لم نعد قادرين على الرد بشكل مباشر وحاسم تجاه الأزمات، كما فعلنا سابقاً في كوسوفو على سبيل المثال. هل نحن على وشك تفكيك وسائل التدخل السريع التي احتاجت الأنظمة الديموقراطية إلى وقت طويل جداً لبنائها؟ ما هي الرسالة التي نوجهها إلى إيران وروسيا بوتين والسوريين؟ إذا لم نستطع إتخاذ قرار حول الأسلحة الكيميائية، فكيف سيكون الوضع في الملفات الأخرى مثل الملف النووي؟".
     لن يتأخر حلفاء الولايات المتحدة من إسرائيل إلى السعودية مروراً باليابان في استخلاص الدروس. بالنسبة لإسرائيل التي تعتمد على التصميم الأمريكي لإيقاف البرنامج النووي الإيراني، ألمح مسؤول إسرائيلي قائلاً: "إذا كان أوباما يتردد حول سورية، فمن الواضح أنه سيتردد بشكل أكبر حول مسألة مهاجمة إيران... لقد تعزز احتمال قيام إسرائيل بالتحرك وحدها جراء ذلك".
     إن التراجع أمام بشار الأسد يُهدد أيضاً بإضعاف القوات المسلحة ولاسيما في فرنسا التي تتعرض موازنتها المالية لضغوط كبيرة. قال الجنرال الفرنسي فانسان ديسبورت vincent Desportes: "تعتمد مصداقية الردع على قدرتنا باستخدام القوة التقليدية عندما نريد. إذا لم نستخدمها، فإن الردع يفقد مصداقيته".
     لن يتأخر النظام السوري خلال الأيام القادمة عن استغلال نقطة الضعف في الأنظمة الديموقراطية وتأثرها بالرأي العام من أجل التأثير عليها. إن إظهار الأنظمة الديموقراطية الغربية لترددها يفسح المجال أيضاً أمام فلاديمير بوتين الذي عرقل جميع مشاريع القرارات حول سورية دون اقتراح أي حل بديل.
     أسرعت روسيا بإرسال سفنها الحربية إلى المتوسط. هل يعني ذلك إشارة إلى الكونغرس الأمريكي الذي سيُعبر عن موقفه من الأزمة السورية يوم الاثنين 9 أيلول، بأن توجيه الضربات إلى سورية سيؤدي إلى تصعيد الوضع بشكل حتمي؟ قال كامي غراند مُحذراً: "نشهد اليوم إعادة تحديد التوازنات بين القوى الدولية. نحن بلا شك على وشك اتخاذ قرار لتحديد كيف سيكون القرن الواحد والعشرين".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق