صحيفة الليبراسيون 3 أيلول 2013 بقلم
الباحث منير قرم Mounir
Corm المتخصص بالشؤون اللبنانية
في
الوقت الذي يستعد فيه فرانسوا هولاند لقصف سورية إلى جانب الولايات المتحدة، من
الضروري طرح الأسئلة علناً حول سياسة الجمهورية الفرنسية في المنطقة. يبدو أن
فرنسا غيّرت سياستها الخارجية في الشرق الأوسط جذرياً منذ عشر سنوات. كانت فرنسا
منذ الجنرال ديغول تسعى إلى تجسيد موقف متوازن وسلمي، ولكنها اتخذت العديد من
المواقف العدائية والمتحيزة للمحور الأمريكي ـ الإسرائيلي ـ السعودي في الشرق
الأوسط مثل: الدعم الفعلي لتغيير النظام في ليبيا وسورية وإيران، ورفض حكومة حماس
التي تم انتخابها شرعياً عام 2006 في الأراضي الفلسطينية، وغياب ردة الفعل تجاه
سياسات الاستيطان الإسرائيلية، واتخاذ مواقف متحيزة على الساحة السياسية اللبنانية،
وإدراج الجناح العسكري لحزب الله على لائحة المنظمات الإرهابية، وغياب الانتقادات
تجاه الأنظمة القمعية في الخليج، الخ.
تحولت هذه السياسة العدائية إلى أعمال عسكرية
ملموسة ضد دول ذات سيادة بدون أية شرعية دولية (باستثناء مالي): بعد أن استقبلت
الجمهورية الفرنسية القذافي في قصر الإليزيه، اكتشفت فجأة الطبيعة العنيفة لسلطته،
وقررت مهاجمة ليبيا عسكرياً. إن قصف موكب القذافي الذي أدى إلى مقتله، هو عمل خارج
عن أي تحقيق أو حتى أي تفويض دولي، ويستحق المساءلة. وبعد أن استقبلت فرنسا السيد
الأسد في استعراض العيد الوطني بتاريخ 14 تموز 2008، اكتشفت عنف النظام السوري.
على الرغم من ذلك، إن قرار فرانسوا هولاند بـ "معاقبة" النظام
الحاكم في دمشق هو غير قانوني وغير شرعي وغير ديموقراطي ومتهور.
إنه
غير قانوني مثل العمليات في العراق وليبيا، وأسسه القانونية ضعيفة بالنظر إلى
القانون الدولي. إن الانتقادات التي كانت توجهها فرنسا إلى السيد بوش، لم تعد عقبة
أمام السيد هولاند. إن القيام بعمليات عسكرية هجومية ضد دولة ذات سيادة ولا تُهدد دول
أخرى، ليس أكثر قانونية من هجوم عام 2003. لا يسمح ميثاق الأمم المتحدة باللجوء
إلى القوة إلا في حالات محددة (التهديد أو إلغاء السلام، والاعتداءات) وفقط بعد
دراسة جميع الوسائل الأخرى، وفي جميع الأحوال، بعد الحصول على تصويت إيجابي في
مجلس الأمن. لا يتوفر أي شرط من هذه الشروط على الرغم من كل الترهيب الذي رافق
الأعمال الوحشية المرتكبة في الحرب الأهلية السورية.
إنه غير شرعي، لأنه عمل عنيف قررته فرنسا بشكل
ثنائي مع الولايات المتحدة، ولا يمكن أن يؤدي إلا إلى زيادة عدد القتلى المرتفع
أصلاً في هذا النزاع. تطرق فرانسوا هولاند إلى "الواجب الأخلاقي"
الذي يسمح بسهولة بإراحة الضمير في الوقت الذي يتم فيه الإعداد لعمل غير قانوني
بالنظر للمبادىء الكبرى في القانون الدولي. هل يمكن قياس أخلاقية قصف دولة أخرى
على أساس مبدأ "العقاب" بسبب استخدام الأسلحة الكيميائية، حتى
ولو كان استخدامها عملاً كريهاً بحد ذاته؟ أليس من الأفضل تقويم هذا "الواجب
الأخلاقي" على أساس نتائجه؟ إذا أدى القصف إلى المزيد من القتلى في
سورية، ما هو "الواجب"
العالمي الذي ستحققه الجمهورية الفرنسية؟ هل هو ردع النظام عن استخدام الأسلحة
الكيميائية مرة أخرى؟ ربما ستوفي الولايات المتحدة وفرنسا بواجباتهما الأخلاقية
عبر السعي بأي ثمن إلى إقناع جميع الأطراف المعنية في هذه الحرب الأهلية (النظام،
المعارضة الداخلية، المعارضة الخارجية،
المعارضة المسلحة، الإسلاميون، السعودية، إيران، روسيا) بالاجتماع من أجل
التوصل إلى حل سلمي لهذا النزاع المأساوي، وفرض وقف لإطلاق النار، أو حتى استخدام كل نفوذها من أجل السماح للمنظمات
الإنسانية بتحسين شروط الحياة للسكان المدنيين. إن الفكرة القائلة بأن شن الحرب
(لأن القصف هو حرب وليس مجرد لعبة فيديو) تسمح بإنقاذ حياة الناس هي كذبة مكررة
جداً. يتذكر التاريخ أن استخدام ذريعة أخلاقية الحرب هي في أغلب الأحيان عذراً
رائعاً لعدم التصريح بشكل علني عن مصالح القوى العظمى (العراق عام 2003، وفييتنام
خلال السبعينيات، الجزائر خلال الستينيات، لكي لا نذكر إلا الأكثر وضوحاً).
إنه
غير ديموقراطي، بالنظر إلى النموذج الذي حصل في البرلمان البريطاني الذي تعلم من
خطأه عام 2003. إن النقاشات التي جرت، والتي أدت إلى أن السلطة التشريعية ترفض حق
السلطة التنفيذية بشن حرب، تساهم بقوة في تعزيز القيمة المعيارية للممارسة
الديموقراطية. في الوقت الذي عبّر فيه الكثير من السياسيين الفرنسيين بمختلف
انتماءاتهم عن تحفظاتهم (نداء فرانسوا بايرو إلى الحذر، وانتقادات جان لوك
ميلانشون، والانتقادات داخل حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية)، سيكون من الأفضل
أن يستوحي فرانسوا هولاند من البريطانيين لأن مثل هذا النوع من الممارسة العامة
يساهم في دفع المثل الأعلى للديموقراطية لدى الشعوب العربية إلى الأمام بشكل أفضل
من أي صاروخ يتم إطلاقه من طائرة أو سفينة.
إنه
متهور. بالتأكيد، إن قرار السيد هولاند متهور. إن ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا
والعديد من الدول "الغربية" لن تحذو حذوه في هذا العمل الحربي.
قامت وزيرة الخارجية الإيطالية السيدة بونينو بتحذير زملاءها من خطر أن يؤدي هذا
التدخل إلى "انفجار دولي" لن يحقق أياً من أهدافه. في الوقت الذي
وصل فيه الاستقطاب الإقليمي وحتى الدولي إلى ذروته بين روسيا والصين وإيران من
جهة، والولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل من جهة أخرى، فإن احتمال التصعيد نحو
نزاع كبير مرتفع جداً، وستكون نتائجه مأساوية جداً لدرجة لا تستحق هذه المخاطرة.
أخيراً، إنه متهور لأنه يتناقض مع المصالح الوطنية الفرنسية في المنطقة على المدى
الطويل. إن زعزعة الدول المجاورة (ولاسيما في لبنان الذي تلعب فيه فرنسا دوراً
هاماً)، وأخطار الانتقام، والفقدان الحتمي للنفوذ بعد هذه العملية، سيضع فرنسا في
موقف صعب.
بالنظر إلى كل هذه العناصر، إن قرار السيد
هولاند بجر الجمهورية الفرنسية إلى حرب جديدة يبدو أنه خطأ أخلاقي أكثر من كونه
جواباً لواجب أخلاقي. ما زال هذا القرار
ضمن توجه السياسة الجديدة المتبعة منذ عامي 2004 و2005 التي لم تساهم بتعزيز
المصلحة الوطنية الفرنسية، و تسيء يوماً بعد يوم إلى عظمة الأفكار العالمية لجمهورية أصبحت ميالة للحرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق