مجلة النوفيل أوبسرفاتور الأسبوعية 26
أيلول 2013 بقلم فانسان جوفير Vincent Jauvert
يوم
السبت 31 آب، كان كبار المسؤولين الفرنسيين المدنيين والعسكريين مقتنعين بأن رئيس
الجمهورية سيبدأ القصف العقابي ضد سورية مساء يوم الأحد 1 أيلول. الأمر الأكثر
غرابة هو أن فرانسوا هولاند شخصياً كان يعتقد ذلك أيضاً. سيستمر هذا الاستخفاف غير
المعقول حتى بعد ظهر يوم السبت 31 آب. خلال هذه الفترة التي استمرت حوالي عشر
ساعات، تحرك جهاز الدولة من أجل تنفيذ هذه الضربات الفرنسية ـ الأمريكية، و"تسويقها"
لدى الرأي العام، وإدارة النتائج الدبلوماسية.
بدأ
هذا اليوم المجنون الساعة الثالثة صباحاً من يوم السبت 31 آب، عندما تلقى الضابط
المناوب المكلف باتصالات رئيس الجمهورية اتصالاً من نظيره الأمريكي الذي أبلغه بأن
باراك أوباما سيتصل بفرانسوا هولاند على الخط المباشر والمؤمن الذي يصل بين قصر
الإليزيه والبيت الأبيض. متى؟ مساء اليوم نفسه الساعة السادسة والربع مساء بتوقيت
باريس. بدأ سوء التفاهم بين طرفي الأطلسي. إنه لُبس مثير للضحك إذا لم يكن المقصود
هو الحرب.
بسبب
اختلاف التوقيت الزمني، اكتشف بول جان أورتيز Paul
Jean-Ortiz، المستشار
الدبلوماسي لفرانسوا هولاند، رسالة البيت الأبيض عند وصوله إلى مكتبه في الإليزيه الساعة
الثامنة صباحاً. قام فوراً بإبلاغ فرانسوا هولاند الذي قرر استدعاء المجلس المصغر
للاجتماع بعد انتهاء المكالمة مع باراك أوباما. من المفترض أن يحضر هذا الاجتماع
وزراء الدفاع والداخلية والخارجية بالإضافة إلى رئيس الأركان ورؤساء أجهزة
الاستخبارات الفرنسية. سيُصدر رئيس الدولة بعد هذا المجلس العسكري أمراً رسمياً
ببدء الضربات الفرنسية على سورية. على الأقل، هذا ما كان يعتقده فرانسوا هولاند
وجميع الشخصيات التي تمت دعوتها.
إذاً، طلب قصر الإليزيه صباح يوم السبت 31 آب من
الجيش الاستعداد لتنفيذ هذا الأمر الذي يفترض أنه كان وشيكاً. قال مسؤول فرنسي
رفيع المستوى: "كانت الخطة أن يكون القصف خلال الليل ابتداءاً من الساعة
الثالثة صباحاً في الوقت الذي ينام فيه الناس بعمق. كان الهدف تدمير بطاريات
الصواريخ ومراكز القيادة للجيش الرابع الكيميائي". كان يجب تنفيذ الضربات
عبر العديد من طائرات رافال التي تحلق فوق المياه الدولية للبحر المتوسط. قال
مسؤول آخر: "لم نكن نريد إطلاق الصواريخ انطلاقاً من الأجواء التركية. كنا
نخشى أن يتذرع الأسد بالدفاع المشروع وقصف جاره، الأمر الذي يهدد بتدخل الحلف
الأطلسي". هناك مشكلة: يبلغ المدى الأقصى للصواريخ بعيدة المدى Scalp التي يفترض
استخدامها في هذه العملية 250 كم، لن يستطيع القصف الفرنسي الوصول إلا إلى الأهداف
الواقعة في غرب سورية، ومن ضمنها دمشق. سيتكفل الأمريكيون بالبقية. ولكن وزارة
الدفاع أكدت قائلة: "نحن لا نعتمد عليهم في ضرباتنا وتموين طائراتنا في
الجو. هناك شيء واحد لا نُسيطر عليه هو: الجدول الزمني. إن أوباما هو الذي سيعطي
إشارة البدء".
لكي
يُبرهن قصر الإليزيه للرأي العام الفرنسي أن فرانسوا هولاند لا يتصرف تحت سيطرة
الولايات المتحدة على شاكلة طوني بلير أثناء الحرب في العراق، قرر قصر الإليزيه
أيضاً يوم السبت 31 آب "نزع صفة السرية" عن بعض البراهين
الفرنسية حول الهجوم الكيميائي. قال أحد المسؤولين الفرنسيين: "أطلقنا على
هذه الوثيقة اسم: الحصيلة الوطنية الشاملة للمعلومات التي تم نزع صفة السرية عنها.
ووضعنا العلم الفرنسي على كل صفحة". واستعداداً للضربات المرتقبة في
المساء، قامت وزارة الدفاع بتسريب هذه الوثيقة إلى صحيفة جورنال دوديمنش (Journal du Dimanche) التي ستصدر صباح اليوم التالي.
تم
إعداد الخطة الإعلامية للعملية خلال اجتماع الساعة الثانية والنصف ظهراً يوم السبت
31 آب في مكتب بول جان أورتيز بحضور مدراء مكاتب الوزرات الرئيسية المعنية، قال
أحد المسؤولين الرسميين: "ناقشنا الصور التي سيتم إعطاؤها إلى محطات
التلفزيون، وصور تصاعد قوة العملية التي كانت جاهزة، وصور الضربات الأولى التي
سنزودها بها سريعاً. ناقشنا أيضاً اللحظة التي سيتم بها إبلاغ بعض الشخصيات
الأجنبية. بدا واضحاً أن فرانسوا هولاند سيبلغ أنجيلا ميركل شخصياً بعد
انتهاء المكالمة مع باراك أوباما".
من أين جاءت هذه القناعة الأكيدة بأن باراك أوباما سيعطي أمر البدء يوم السبت 31
آب؟ قال مسؤول فرنسي: "كانت جميع الأمور تقودنا إلى الاعتقاد بأن نقطة
الصفر اقتربت جداً". لقد ظهر منذ أسبوع أن العمل العسكري الفرنسي ـ
الأمريكي أصبح حتمياً.
بدأ
كل شيء يوم الأحد 25 آب، أي بعد أربعة أيام من الهجوم الكيميائي ضد السكان
المدنيين، عندما ناقش باراك أوباما وفرانسوا هولاند عدة أشكال من "العقاب"،
ومن ضمنها الأشكال العسكرية. قال مصدر في وزارة الدفاع الفرنسية: "منذ
صباح اليوم التالي، بدأ قادة الأركان في البلدين العمل على خطة ضربات مشتركة".
بالتأكيد، كان من الممكن أن يفشل كل شيء
خلال الأيام التالية: لقد صوت البرلمان البريطاني ضد المشاركة البريطانية في هذه
الضربات، ثم أخفق الفرنسيون وحلفاؤهم في حملتهم الدبلوماسية الهادفة لإضفاء بعض
الشرعية الدولية للعمل العسكري ضد سورية. كانوا يأملون بالحصول على أغلبية الأصوات
في مجلس الأمن، وإجبار بكين وموسكو على استخدام حق النقض. حسب معلوماتنا، لم تنجح
باريس ولندن وواشنطن بالحصول على أصوات كافية بين أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين على
الرغم من جهود لوران فابيوس. ولهذا السبب، تم التخلي عن فكرة اللجوء إلى الأمم
المتحدة.
ولكن
الأمريكيين كانوا ما زالوا مصممين حتى نهاية الأسبوع. قامت مستشارة بارك أوباما
للشؤون الأمنية سوزان رايس بإخبار بول جان أورتيز يوم الخميس 29 آب أن رئيسها "قريب
جداً من اتخاذ القرار"، وذلك على الرغم من التراجع البريطاني والفشل في
الأمم المتحدة. في اليوم التالي 30 آب، جاءت عدة مؤشرات من واشنطن جعلت الفرنسيين
يعتقدون بأن الضربات الأمريكية وشيكة. أكد أحد المسؤولين الرسميين قائلاً: "تحادث
جون كيري يوم الجمعة 30 آب مع لوران فابيوس عدة مرات، وقال له أن باراك أوباما طلب
منه تهيئة الرأي العام للضربات". وقال مسؤول آخر: "وفي اليوم
نفسه، نشر البيت الأبيض براهينه حول المجزرة الكيميائية". وفي اليوم نفسه
أيضاً، تناقش فرانسوا هولاند مطولاً مع باراك أوباما الذي قال أنه لم يتخذ قراره
النهائي حتى الآن، ولكن ذلك لن يتأخر، وأضاف أن الضربات يمكن أن تحصل قريباً قبل
أو بعد قمة العشرين، وأنهى الرئيس الأمريكي حديثه قائلاً: "لنتحادث غداً
أو بعد غد".
على
الرغم من الإعلان عن مكالمة هاتفية جديدة مع البيض الأبيض، كان مستشارو فرانسوا
هولاند مقتنعين يوم السبت 31 آب أن الرئيس الأمريكي اتخذ قراره ليلاً، وسيبدأ
العملية مساء اليوم نفسه أو مساء اليوم التالي على أبعد تقدير (فرضية غير محتملة
نظراً لأنه غادر إلى أوروبا اليوم التالي). لم يتصور أحد في قصر الإليزيه أن بارك
أوباما سيوافق على الطلب الذي تقدم به 186 عضو في البرلمان الأمريكي بالتصويت على
الضربات في الكونغرس، أو حتى أن يكون المسؤولون الرئيسيون في مجلس النواب
والكونغرس الأمريكي على علم بهذا القرار قبل عدة ساعات من إبلاغ فرانسوا هولاند.
قال
باراك أوباما إلى فرانسوا هولاند الساعة السادسة والربع من مساء يوم السبت 31 آب: "قررت
المضي إلى الأمام، ولكنني سأطلب أولاً موافقة الكونغرس". انذهل فرانسوا
هولاند، وحاول إقناع الرئيس الأمريكي بالعودة عن قراره دون جدوى. وهكذا، عاد
الرئيس إلى رجاله الذين استدعاهم إلى المكتب الأخضر للمشاركة في المجلس المصغر،
وأمر العسكريين بإعادة طائرات رافال، وتحدث عن تواريخ أخرى للقصف. كان هناك اعتقاد
عام بأنه لم يبق إلا تاريخ واحد هو 15 أيلول، أي ما بين تصويت البرلمانيين
الأمريكيين وافتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتفق الجميع على أن "العملية
ستكون صعبة جداً أو حتى مستحيلة بعد هذا التاريخ". انغلقت هذه النافذة
الأخيرة في الأسبوع التالي بعد المناورة الدبلوماسية الذكية لفلاديمير بوتين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق