الصفحات

الجمعة، ١٧ تشرين الأول ٢٠١٤

(الحرب ضد "الدولة الإسلامية" ستكون طويلة ومُكلفة للغرب)

من المعروف أن "الدولة الإسلامية" تمارس أعمالاً وحشية، وأن قواتها من المسلمين السنة حصراً والمؤمنين جداً، وأن ممارساتها مستوحاة من اغتيال ثمانمائة يهودي في المدينة المنورة من قبل الرسول عام 627. باعتبار أن المسلمين السنة في المنطقة لم يريدوا أو لم يستطيعوا تدميرها، إن ذلك ليس فضيحة بل عزاء، فإن الدول الغربية تدخلت ودعمت أعداءها عسكرياً. ولكن لا يجب الانخداع بالكلمات والعواطف، لأن البربرية ليست صفة ملازمة للإسلام. لننظر إلى التاريخ قليلاً، وسنرى البربرية في أعمال الألمان المتحضرين جداً، وسنراها في حروبنا الاستعمارية، وفي رواندا وسيبرينيتسا، ونراها اليوم في الكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى... الخ. يجب مكافحة البربرية في كل زمان ومكان وحتى بربريتنا.
     إن الخطاب الرسمي يُخفي الأسباب الحقيقية لدخول الدول الغربية في الحرب ضد الدولة الإسلامية. إن الحافز الأساسي وراء اجتماع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لا يكمن في مكافحة البربرية بشكل أساسي، ولا حتى في إدراك الخطر الداخلي الحقيقي جداً الذي سيمثله الجهاديون العائدون من سورية ولبنان ودول أخرى. لو كان الأمر كذلك، كانت هذه الدول ستتدخل خلال مجازر صبرا وشاتيلا في لبنان عام 1982، وكانت ستتدخل خلال المجازر في غزة هذا العام (أكثر من ألفي شخص منهم خمسمائة طفل). نحن لم نتدخل في الصومال التي لا تحترم حقوق الإنسان أكثر من العراق، وتدخلنا قليلاً جداً في أفريقيا. إن التدخل الواسع للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والعرب في العراق وسورية يستجيب للنظرة القائلة بأن النجاحات العسكرية للدولة الإسلامية تمثل خطراً قاتلاً على ما يدعى بالتوازنات الشرق أوسطية، وبمعنى آخر، على تقاسم السلطة والموارد الطبيعية المفروض ضد إرادة الشعوب من قبل البريطانيين والفرنسيين والأمريكيين غداة الحرب العالمية الأولى أثناء تقاسم بقايا الإمبراطورية العثمانية. لقد تم الحفاظ على هذا التوازن المزعوم بجميع الوسائل منذ ذلك الوقت سواء عبر القمع الدامي للحركات القومية والتقدمية، أو عبر الانقلابات، أو الانتخابات المزيفة للحكومات الصديقة، أو الإطاحة بالحكومات القومية بمختلف الوسائل.
     تعمدت الدول الغربية إقامة الحكومات الإسلامية الرجعية والمتزمتة أو المحافظة عليها لأنها أفضل ضمانة ممكنة ضد الأفكار التقدمية والشيوعية. لقد أغمضت عيونها حول السياسات التي أبقت الجزء الأكبر من السكان في الجهل والخضوع للإسلام الأكثر تقليدية. لقد استفادوا من استثمار النفط، واستعادوا جزءاً من الأرباح المتروكة لهذه الحكومات (المبالغ المدفوعة مقابل استثمار النفط Royalties)، وعبر استقبال الأمراء العرب في الفنادق الفخمة بعواصمهم، وعبر الصفقات مع شركاتنا والمحافظة على استثماراتهم في هذه الشركات. بدأت الشكوك تظهر حول هذا البناء من خلال بروز الدولة الإسلامية بشكل لا يمكن السيطرة عليه، إنها حركة معادية للغرب وللحكومات بشكل عنيف، وقضت على أية إمكانية للتراجع عندما قتلت سجنائها سواء كانوا غربيين أو مسلمين، وبعثت مفهوم الخلافة، وطالبت بالخضوع المطلق إلى الأغلبية المسلمة في جميع الدول.
     يجب إزالة الأوهام. إذا نجح القصف وتسليح القوت العراقية في القضاء على الدولة الإسلامية كما نعرفها اليوم، فإن هذه الحركة ستولد مرة أخرى من تحت الرماد بشكل آخر، لأنها ترتكز على مشاعر الحرمان المشتعلة دوماً بسبب النظرة إلى الماضي العربي ـ الإسلامي والإمبريالي، وهي نظرة ليست خاطئة كلياً. كيف يمكن الاعتقاد بأن المسلمين في الشرق الأوسط يصدقون نوايانا الإنسانية وتصريحاتنا ضد البربرية عندما يشاهدوننا ننظر دون حراك إلى قصف غزة وقتل الأطفال تحت القنابل، هؤلاء الأطفال القريبون منهم على صعيد الدين واللغة والجغرافية؟ كيف يمكنهم تصديق مديحنا للديموقراطية عندما يروننا ندعم الانقلاب العسكري الدامي للجنرال السيسي في مصر، ونحصل عبر الضغط على استبدال رئيس الوزراء العراقي بشخص أخر أكثر ليونة ويحمل الجنسية البريطانية، ثم نقرر عبر الضغط أيضاً اسم الرئيس الأفغاني المعين بعد الانتخابات التي كانت مهزلة في سيرها وفرز أصوات الناخبين؟
     إن الحرب ضد الدولة الإسلامية ومن سيعقبها ستكون طويلة، لأن الدول الغربية وحلفاءها يمشون في الطريق الخاطئ. شاهدنا خلال أقل من أسبوعين انقلاباً مذهلاً في التحالفات، وأصبحت الولايات المتحدة الحليف الموضوعي لإيران الشيعية وسورية بشار الأسد وحزب الله اللبناني مع الحفاظ في الوقت نفسه (إلى متى؟) على خطابها الذي ينتقدهم. بالنسبة للمارونيين اللبنانيين الذين تعتمد عليهم الدبلوماسية الفرنسية منذ قرون، إنهم يقتربون من النظام السوري وحزب الله لأن الدولة الإسلامية التي تطارد وتقتل المسيحيين في كل مكان تدخله تمثل اليوم بالنسبة لهم خطراً أكبر من الشيعة في حزب الله أو من علمانية بشار الأسد. وجدت الحكومتان السعودية والقطرية نفسهما مضطرتين للتدخل ضد حركة حصلت على تمويل كبير منهما أو من مواطنيهما الأغنياء، كما أن إيديولوجيتها مستوحاة من الوهابية التي انتشرت في العالم بفضل أموال النفط. في الحقيقة، إن الدولة الإسلامية تكره الحكومتين السعودية والقطرية بقدر ما تكره الدول الغربية التي تقوم بحماية السعودية وقطر.
     إن تركيا مُجبرة على استقبال ألاف الأكراد وقبول تسليح الأكراد في سورية والعراق على الرغم من أنها في حالة حرب على أرضها ضد الحركة القومية العلمانية الكردية. يجب على الحكومة الشيعية العراقية أن تترك الولايات المتحدة تتملق العشائر السنية العراقية المتحالفة مع الدولة الإسلامية، وتُسلّح البشمرغة في كردستان العراق بشكل يهدد بتسريع الاستقلال الذي يطالبون به منذ عدة سنوات، وبإعادة النظر في مسألة الحدود الحالية لتركيا والعراق وسورية. ينتظر الدبلوماسيون الغربيون الكثير من المشاكل في هذا الصدد. بإمكان قادة الجيش وتجار السلاح أن يظهروا سرورهم: إن الموازنات العسكرية التي تنخفض في أوروبا والولايات المتحدة سترتفع من جديد.
     إن رحيل العديد من المواطنين الغربيين للجهاد، ومنهم الكثير من الفرنسيين ومن الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً، يُظهر أن حكوماتنا وشعبنا لم يدركوا جيداً اليأس الذي أصاب الشباب الذين لم تنجح المدرسة ولا العمل في دمجهم بنسيجنا الاجتماعي. هذا ما يقوله اليسار منذ سنوات عندما كان في المعارضة، ولكن اليسار لم يفعل ولم يقل شيئا عندما وصل إلى السلطة. إذا لم تتغير المعطيات، وإذا لم نجد حلاً للمشكلة الاجتماعية، وإذا لم نعط عبر المدرسة إلى هؤلاء الشباب الوسيلة لكي يدركهم بأنفسهم أن الدين ليس عذراً للبربرية والتخلف الاجتماعي، فلن يكون هناك ما يدعو للتفاؤل. ولكن ذلك ليس سبباً للتخلي عن المعركة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق