الصفحات

الجمعة، ١٧ تشرين الأول ٢٠١٤

(العلويون المؤيدون للأسد في سورية ينتابهم الملل)

صحيفة اللوموند 17 تشرين الأول 2014 بقلم مراسلها في بيروت بنجامان بارت Benjamin Barthe
                     
     تقول الشكوى التي تتصاعد في الأوساط السورية المؤيدة: "الشرف لهم، والقبر لنا". يتزايد سماع ذلك أكثر فأكثر خلال مراسيم تشييع الجنود وأعضاء الميليشيات المؤيدة للأسد في الساحل بشكل خاص، وهي المنطقة التي تتركز فيها الطائفة العلوية. يُعبّر هذا الكلام عن الغضب المتصاعد لهذه الأقلية التي تمثل قاعدة النظام في مواجهة النزاع الذي يسحقها دون أن ترى نهاية له. قال مُغترب سوري على اتصال مع العديد من العلويين في سورية: "إن الحل الأمني المزعوم الذي يواصله النظام منذ ثلاث سنوات لم يقدم أي حل. عندما تتوقف المعارك في مكان ما، تندلع في مكان آخر من جديد. إن أغلب الناس الذين أتحدث معهم يشعرون بأنهم مسجونون في دائرة عنف لا نهاية لها".
     بدأ هذا الحرمان بالتعبير عن نفسه علناً. تظاهر بعض سكان الأحياء العلوية في حمص بتاريخ 2 تشرين الأول ضد محافظ حمص طلال البرازي، واتهموه بالكذب حول حصيلة العملية الانتحارية التي أودت بحياة 54 مدنياً بينهم 47 طفلاً. وضع الرجل الانتحاري القنبلة على مدخل مدرسة عكرمة التي تقع في منطقة مؤيدة للنظام. لم تتبن أية جهة مسؤولية هذه المجزرة، وأحس مؤيدو الأسد بالصدمة من صور أشلاء الضحايا والمَحافظ المدرسية المتروكة على الأرض. لم يتوقف النظام عن القول بأن حمص قد تطهرت من "الإرهابيين"، ولكن إذا كان الجزء الأكبر من المتمردين قد أخلوا المدينة في شهر أيار بعد سنتين من القصف، فإن حي الوعر في الغرب لم يستسلم حتى الآن. كما أن الريف الشرقي في حمص باتجاه الرستن والسلمية ما زال مليئاً بالمجموعات المسلحة. هتف المتظاهرون قائلين: "إرحل يا طلال، الشعب يريد رحيل المحافظ" بشكل يشبه الشعار المعروف للربيع العربي، وهو أمر غير مسبوق.
     هناك ظاهرة مُدمّرة أخرى: بدأ سكان الساحل منذ فصل الصيف بتصوير أنفسهم بعد تغطية وجوههم بورقة مكتوب عليها: "الشعب يريد أن يعيش". تمت تسمية هذه الحملة بـ "الصرخة"، وتقوم بها حفنة من الناشطين، ولكنها ما زالت محدودة الانتشار. تهدف هذه الحملة إلى الاحتجاج على الثمن الباهظ الذي دفعه العلويون المنذورون للموت من أجل السلطة. تصل الأكفان يومياً من خط الجبهة إلى بعض المدن مثل طرطوس والقرداحة، ويرافقهم أحياناً كبار المسؤولين في النظام المكلفين بتهدئة العائلات الحزينة. قال أحد المقربين من الأوساط المؤيدة للأسد: "صدّق الناس في البداية فكرة الانتصار التي يكررها النظام دوماً، ثم صدقوا محاولات المصالحة هنا وهناك، ولكن هذه المحاولات محدودة جداً لدرجة أنها لا يمكن أن تكون فعالة. كما صدقوا أن الأسد سيستأنف عملية الإصلاحات بعد إعادة انتخابه في حزيران. إن المأزق الذي تعيشه المعارضة شجعهم في هذا الأمل، ولكن داعش وصلت ولم يعد يصدقون أي شيء الآن".
     ازدادت حدة الصدمة لدى مؤيدي الرئيس السوري بعد المجزرة التي ارتكبها الجهاديون بحق حوالي مئتين وخمسين جندي كانوا معتقلين بالقرب من الرقة في نهاية شهر آب. أدى ذلك إلى التشكيك بأسطورة استعادة السيطرة التي تنشرها دمشق منذ استعادة القصير في شهر حزيران 2013 والهجوم على القلمون في خريف العام نفسه. من غير المحتمل أن يؤدي هذا الاستياء إلى عصيان مفتوح. إن راديكالية المعارضة وإصابتها بعدوى الخطاب الطائفي المعادي للشيعة وللعلويين يمنع انتقال هؤلاء الأشخاص بأعداد كبيرة إلى المعسكر المعادي للأسد. بالمقابل، هناك خطر بأن ترفض بعض وحدات الجيش تنفيذ الأوامر. قال الباحث فابريس بالانش Fabrice Balanche المختص بسورية: "من الممكن أن يقول بعض الجهود في نهاية المطاف: باعتبار أن عائلاتنا غير محمية، فلن نقاتل خارج أرضنا. هذا هو الخوف الأكبر للنظام: أي مواجهة مؤامرة من الضباط العلويين". أدرك النظام هذا الخطر، وقرر إقالة المسؤولين الأمنيين الاثنين الأساسيين في حمص.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق