الصفحات

الأربعاء، ٤ حزيران ٢٠١٤

(التناقض الغربي تجاه الإسلاموية)

صحيفة الفيغارو 3 حزيران 2014 بقلم رونو جيرار Renaud Girard

     هل هناك شيء غير طبيعي في برنامج السياسة الخارجية الفرنسية؟ يجري حتى الآن تطبيق إحدى أقدم قواعد الجغرافية السياسية أي: "إن عدو عدوي هو صديقي". ولكن يُلاحظ أن هذه القاعدة لا تنطبق على حالة مهدي نيموش، المتهم باغتيال أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في بروكسل بتاريخ 24 أيار 2014. إنه رجل يحمل المفتاح السحري المتمثل بجواز السفر الفرنسي الذي يسمح له بعبور الحدود، وذهب إلى سورية للقتال ضد الدكتاتورية العلمانية التي تقول لنا حكومتنا ووسائل إعلامنا منذ ثلاث سنوات أنها العدو الذي يجب التغلب عليه. لقد كنا على وشك قصف هذا العدو في شهر أيلول 2013، ثم تراجعنا فجأة بسبب تغير رأي حلفائنا الغربيين وبسبب إدراكنا لضعف وسائل تدخلنا العسكري.
     يبدو واضحاً أن معركة مهدي نيموش باسم الإسلام لم تتكلل بالانتصار، لأنه لم ينجح بإسقاط السيد بشار الأسد الذي يبدو على العكس أنه أكثر قوة من أي وقت مضى، نظراً لأنه سمح لنفسه هذا اليوم 3 حزيران بتنظيم انتخابات رئاسية في جميع المناطق التي يسيطر عليها في بلده، وسيفوز في هذه الانتخابات مع 99 % من الأصوات كما هي العادة في تقاليد الدكتاتوريات العسكرية العربية. أرسلت وزارة الخارجية الفرنسية برقية تهنئة إلى الماريشال السيسي بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية المصرية التي جرت بتاريخ 25 أيار مع 97 % من الأصوات. ولكن الرئيس السوري بشار الأسد الذي دعوناه سابقاً ليترأس العرض العسكري بتاريخ 14 تموز لن يحق له الحصول على برقية تهنئة، لأنه أصبح عدونا.
     فشل مهدي نيموش بإسقاط الدكتاتورية البعثية بعد بقائه طوال عام 2013 في سورية، ولذلك انقلب ضد هدف أكثر سهولة هو السياح في المتحف اليهودي في بروكسل، ويُفترض أن يكونوا يهوداً. اعتقدنا أننا تخلصنا إلى الأبد من سرطان العداء ضد السامية بعد هزيمة النازية عام 1945، ولكن للأسف هذا السرطان عاد إلينا بشكل عنيف جداً. نحن نشعر اليوم بصفتنا مواطنين فرنسيين بحزن كبير وانزعاج مرعب: حزن كبير لأنه عندما تتعرض اليهودية للهجوم، فإنه تدنيس لحضارتنا؛ ويأتي انزعاجنا الكبير من أن الذي ارتكب هذه الجريمة الحاقدة في بروكسل تربى لدينا. كيف يمكن لفرنسا أن تطعم في رحمها مثل هؤلاء الوحوش مثل محمد المراح ومهدي نيموش؟ كيف نستطيع السماح بتسلل الفاشية الخضراء إلى أرضنا بعد أن تخلصنا من النازية؟ ما هو نوع الشلل الفكري الذي يمنع قادتنا أن يفسروا لنا ذلك منذ ربع قرن؟ كم يجب من الوقت والتفجيرات الإضافية لكي ندرك أن العدو الرئيسي لفرنسا هو الإسلاموية، وأنها تسللت بيننا للأسف؟ إن الإسلامويون هم أعداء شرسون لأنه ليس لديهم إلا الحقد والاحتقار لمبادئنا الغالية علينا: حب الإنسان وحرية المعتقد والتسامح والديموقراطية وفصل السياسة عن الدين والمساواة بين الرجل والمرأة.


     لو وافق بشار الأسد منذ المظاهرات السلمية الأولى في شهر آذار 2011 على تحويل نظامه إلى نظام ديموقراطي، هل سيكون هناك في دمشق اليوم دولة قانون هادئة أم أننا سنكون أمام الإسلامويون في السلطة؟ من الصعب الرد على مثل هذا السؤال. عندما تطرحون هذا السؤال على المسيحيين اللبنانيين، فإنهم ينقسمون إلى نصفين متساويين. ولكن الأمر المؤكد هو أنه في اللحظة التي قررنا فيها قطع علاقاتنا الدبلوماسية معه، لم يكن بشار يتصرف كعدو لفرنسا. إن هذا الموقف المتناقض يشبه الموقف الذي اتخذه طوني بلير ضد نظام صدام حسين. في شهر آذار 2013، في الوقت نفسه الذي كان فيه الإسلامويون يتحولون بشكل خطير نحو الراديكالية، قرر رئيس الحكومة البريطاني ضرب الدكتاتور العلماني في العراق على الرغم من أنه لم يكن يمثل أي تهديد له. كان طوني بلير عاجزاً عن التنبؤ بالخطر الحقيقي الذي سيأتي من بعض الإسلاميين الذين تربوا في بريطانيا: أدت تفجيرات 7 تموز 2005 إلى مقتل 56 شخصاً وجرح 700 آخرين، إنه أسوأ هجوم عرفته لندن منذ غارات الطائرات النازية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق