الصفحات

الثلاثاء، ١٦ تموز ٢٠١٣

(الجهاديون يتسببون بانهيار التمرد السوري)

صحيفة الليبراسيون 16 تموز 2013 بقلم جان بيير بيران Jean-Pierre Perrin

     كان مسؤول التيار السلفي في جنوب الأردن الشيخ محمد الشلبي الملقب بأبو سياف صريحاً في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة الحياة (سعودية التمويل)، وأعلن أن المعارك داخل التمرد بين الإسلاميين و"المعتدلين" كانت حتمية، وسوف تزداد حدتها بعد سقوط نظام بشار الأسد. كما اتهم هذا الشيخ الجيش السوري الحر بأنه مرتبط بالدكتاتورية السورية وبالسعي إلى فرض نظام ديموقراطي بدلاً من الشريعة.
     إذاً، لم يعد هناك حرب واحدة فقط في سورية بين النظام والمعارضة، بل حربين أو ثلاثة أو أكثر، باعتبار أن البلد أصبح أرضاً لاستقبال جميع الحركات الإسلامية الراديكالية ومكاناً للمواجهات فيما بينها. وبشكل موازي، تفتّت المناطق المسماة بـ "المحررة". بدأت هذه الظاهرة بالظهور أيضاً في المناطق التي تُسيطر عليها القوات النظامية، وبرزت فيها معاقل يُسيطر عليها رؤساء الشبيحة (ميليشيات تتألف بالأصل من اللصوص، ولاسيما العلويين، وأصبحت الآن ميليشيات أكثر إيديولوجية) الذي يتخلصون أكثر فأكثر من الرقابة المركزية في دمشق. يُضاف إلى ذلك حزب الله اللبناني الذي تُشير تصريحات مسؤوليه إلى أنهم أصبحوا يتصرفون كقوة مستقلة على الأرض.
     ظهر مدى اتساع القطيعة بين الجزئين الرئيسيين للتمرد مع اغتيال أحد زعماء المتمردين في الجيش السوري الحر كمال حمامي يوم الخميس 11 تموز من قبل المتمردين الإسلاميين المرتبطين بتنظيم القاعدة. كان المتمردون في بداية التمرد السوري يبحثون بيأس عن المساعدة لمواجهة القوة العسكرية للجيش السوري، واستقبلوا بحفاوة الجهاديين الذين يملكون أسلحة أفضل ويتمتعون بخبرة أكبر في الحرب ويقاتلون حتى الموت. ولكن لهجتهم تغيّرت أمام التعصب الديني للجهاديين. في بداية شهر حزيران، قام مقاتلو الدولة الإسلامية في العراق والمشرق بإعدام طفل عمره 15 عاماً لأنه لفظ اسم الرسول محمد بتهكم. أثار إعدامه صدمة كبيرة.
     تتزايد حالياً عمليات الخطف والاغتيال والمعارك بين الجهاديين والمتمردين الذين لم يعد يجمعهما الكره المشترك للنظام السوري. وقعت يوم السبت 13 تموز مواجهات بالقرب من رأس الحصن بشمال محافظة إدلب بين مسلحي الدولة الإسلامية في العراق والمشرق وبين مقاتلي الجيش السوري الحر. أشار مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن إلى أن المسلحين الإسلاميين كانوا يريدون الاستيلاء على مستودعات الذخيرة لدى الجيش السوري الحر. كما أضاف المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى وقوع معركة أخرى قبل عدة أيام ضد الدولة الإسلامية في العراق والمشرق في هذه المنطقة الحدودية مع تركيا، وقام الجيش السوري الحر بإعدام رئيس أحد الكتائب. قال رامي عبد الرحمن مؤكداً: "هناك هجمات (إسلامية) من هذا النوع في العديد من المحافظات".
     يبدو أن اغتيال كمال حمامي أصبح نقطة اللا عودة. ربما تم تنفيذ عملية الاغتيال أثناء اجتماع بين حمامي ومسؤول عن الفرع المحلي في محافظة اللاذقية للدولة الإسلامية في العراق والمشرق. هذا المسؤول هو الجهادي العراقي أبو أيمن البغدادي الذي قتل شخصياً الزعيم الشاب في الجيش السوري الحر وشقيقه، ولم يتم تسليم جثتيهما حتى الآن. أشار الباحث السياسي الفرنسي ـ اللبناني خطار أبو دياب إلى أن أسباب هذا الخلاف ربما تتعلق باختلاف في الاستراتيجيات: يريد الإسلاميون مهاجمة الطائفة العلوية المتواجدة بكثرة في هذه المنطقة، وهذا ما يعارضه الجيش السوري الحر الذي يرغب بإرضاء الدول الغربية على أمل الحصول على الأسلحة.
     في الحقيقة، لا يتدخل الجهاديون السنة ضد نظام بشار الأسد فقط، ولديهم هدف آخر هو الحرب الطائفية ضد العلويين والشيعة وبقية الأقليات التي يعتبرونها هرطقة أو كفر. إن الطالبان الباكستانيين يكرهون أيضاً الشيعة وبقية الأقليات الإسلامية، ويُفكرون بالمنطق نفسه. لقد أعلنوا مؤخراً عن إرسال مئات المقاتلين إلى سورية التي أقاموا فيها معسكراتهم الخاصة. قال مسؤول في حركة الطالبان بالباكستان إلى وكالة رويترز يوم الأحد 14 تموز: "باعتبار أن إخواننا العرب جاؤوا إلى هنا لمساعدتنا، نحن ملتزمون بمساعدتهم في دولهم المختلفة، وهذا ما نفعله في سورية". كما وعد هذا المسؤول ببث أفلام فيديو قريباً لإبراز مشاركتهم في المعارك. إذاً، إنه تحوّل تاريخي: إن المقاتلين العرب الذين ذهبوا للتدرّب سراً في معسكرات تنظيم القاعدة في مناطق قبائل البشتون الباكستانية والأفغانية، أصبحوا اليوم يحصلون على دعم الطالبان الباكستانيين المرتبطين بتنظيم القاعدة.
     أصبحت سورية على وشك التحول إلى بلد الجهاد العالمي، أي أرضاً يمكن أن تتحد فيها مختلف الشبكات المرتبطة بتنظيم القاعدة. قال خطار أبو دياب: "جميعهم هنا، الطالبان الباكستانيون والسنة العراقيون وإسلاميو كشمير". لا يقتصر الأمر على ذلك. لأنه، على غرار حزب الله، جاءت المجموعات الشيعية أيضاً للانخراط في المستنقع السوري من أجل الدفاع عن نظام الأسد ومواجهة الاندفاعة السنية. أضاف خطار أبو دياب قائلاً: "هناك أيضاً جهاديون من الشيعة العراقيين وحوالي عشرين شيعياً جاؤوا من البحرين". من أجل الانضمام إلى التمرد، يصل الجهاديون السنة وحتى الأكثر تطرفاُ فيهم عن طريق تركيا وبتواطؤ من أنقرة. أما الجهاديون الشيعة، فيصلون عبر لبنان والعراق.
     أصبح النزاع السوري في طريقه للتحول من حرب بين نظام وشعبه إلى حرب سنية ـ شيعية أيضاً. كما يتزايد التطهير العرقي أكثر أكثر، ولاسيما في منطقة حمص التي يُسيطر عليها حزب الله حالياً. يبدو أن الحزب الشيعي اللبناني يتابع تنفيذ أهدافه الخاصة بعد استعادة مدينة القصير من المتمردين، وقطع خطوط الإمداد عن التمرد في وسط سورية، وفصل مقاتلي الشمال عن إخوانهم في الجنوب. تتمثل هذه الأهداف بربط القرى العلوية والشيعية السورية بسهل البقاع اللبناني ذي الأغلبية الشيعية. ولكن الحرب وصلت أيضاً إلى داخل الأحزاب الإسلامية، ولاسيما داخل جبهة النصرة بين الجناح الجهادي المرتبط بتنظيم القاعدة والجناح القومي. يتفاقم الوضع في سورية حالياً بشكل مأساوي.
     ستسفيد دمشق من هذا الوضع بالتأكيد. تتمتع الأجهزة الأمنية السورية بخبرة طويلة في التلاعب بالمجموعات الإسلامية في المنطقة. لقد سمحت هذه الأجهزة سابقاً لمئات الانتحاريين بعبور الحدود السورية ـ العراقية لتفجير أنفسهم في العراق ضد القوات الأمريكية. كما كانت الأجهزة السورية وراء مجموعة فتح الإسلام الإرهابية في لبنان، هذه المجموعة التي واجهت الجيش اللبناني عدة أسابيع عام 2007، ومنعته من دخول أحد المخيمات الفلسطينية بالقرب من طرابلس. بالنسبة للنظام، يُمثل الظهور المفاجىء لجميع هذه المجموعات الجهادية نعمة غير متوقعة. ستتمكن دمشق من تحريض مختلف مكونات المعارضة ضد بعضها البعض، وستقول على الصعيد الدولي أن بلدها أصبح مسرحاً لعمليات المجموعات الإرهابية القادمة من جميع أنحاء العالم. هذا ما كان النظام يقوله سابقاً قبل حصول كل ذلك، وبذل كل ما بوسعه لكي يتحول إلى حقيقة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق