صحيفة اللوموند 26 تموز 2013 بقلم المؤرخة
المختصة ببلاد الرافدين فيرونيك غراندبيير Véronique Grandpierre
أدى
النهب الذي تعرض له متحف بغداد وتدمير الأسد المشهور باسم Shaduppum أمام الكاميرات إلى تحذير الرأي
العام تجاه العواقب الأثرية للنزاعات المسلحة في الشرق الأوسط. ينطبق هذا الأمر
اليوم على سورية منذ 15 آذار 2011.
تتركز الأولوية بالتأكيد على عشرات آلاف القتلى
والجرحى، وتضحيتهم وبطولتهم، وتدمير منازلهم، واختلال الخدمات، وامكانية انتشار
الأوبئة، والمساعدة الإنسانية التي يجب إيصالها. إنه أمر مفهوم، ولكن سورية هي
أيضاً بلد يتمتع بغنى ثقافي استثنائي مثل: إيبلا ومكتبتها بألواح الفخار المصفوفة
في رفوف من القرن الثالث قبل الميلاد، وماري وقصر الملك زيمري ليم Zimri-Lim الذي
يمتد على مساحة 2.5 هكتار من القرن الثاني قبل الميلاد، وتدمر التي قاومت بشجاعة
الفرس الساسانيين ثم الرومان، ودمشق عاصمة الأمويين وجامعها المشهور الذي انتهى
بناءه عام 715 واستخدمت ديكوراته نموذجاً في الشرق وإسبانيا، ومدينة الواقفة Rafika التي
اختارها الخليفة العباسي هارون الرشيد عاصمة له، وهو خليفة ألف ليلة وليلة.
هناك
العديد من المواقع المسجلة ضمن التراث العالمي لليونيسكو مثل: المدن القديمة لدمشق
في وسط البلد، وبصرى في الجنوب، وحلب في الشمال، وتدمر في الصحراء، وقلعة الحصن،
وقلعة صلاح الدين، والمدن البيزنطية في الجبال الكلسية التي حافظت بشكل جيد على
بقايا الكنائس والمنازل ونقوش أبوابها، والحمامات. أصبحت جميع هذه المواقع مسجلة
على قائمة أخرى في اليونيسكو منذ 20 حزيران هي قائمة التراث العالمي المهدد!
تصلنا صور تدمير هذه الأمكنة ونهبها: الصراع على
قلعة حلب، والمعارك داخل الجامع الكبير في المدينة، وآثار قذائف الهاون على واجهة
معبد بل في تدمر... بالتأكيد، لا يهدف هذا الطرف أو ذلك إلى تدمير هذه المواقع
الأثرية. ليست هناك أية إيديولوجية أو دين أو إرادة سياسية تتدخل في هذا الاتجاه.
لا يوجد اليوم إلا الأمكنة الإستراتيجية وهي نفسها الأمكنة الإستراتيجية في
الماضي!
كانت
قلعة حلب حتى فترة قريبة موقعاً سياحياً هاماً، وهي تقع على نتوء صخري يُطل على
المدينة. إن من يُسيطر عليها، سيُسيطر على مفاتيح المدينة. صمدت هذه المدينة أمام
الفرس، ولم يدخلها البيزنطيون إلا بالحيلة. ينطبق الأمر نفسه على قلعة الحصن التي
قال عنها الكاتب البريطاني لورانس T. E. Lawrence (1888 ـ 1935): "إنها
أجمل من جميع قصور العالم".
فيما
يتعلق بلؤلؤة الصحراء تدمر، وجوهرة الملكة المشهورة زنوبيا التي كان يخشاها
الرومان طويلاً، فإن الدبابات تحتل القلعة التي تُطل على المدينة وبساتين النخيل
والصحراء. في الجهة المقابلة، يتمركز القناصون في قمة معبد بل الذي يُمثل البناء
المرتفع الوحيد على الطريق الواصل بين الفرات والعراق من جهة والبحر المتوسط
من جهة أخرى.
هناك
بعض المدن المُعرّضة أكثر من غيرها. وفي داخل المدن، تتعرض مآذن الجوامع للقصف
بسبب موقعها وليس بصفتها مكاناً للعبادة. وقعت معارك عنيفة بالقرب من الجامع
الكبير في حلب حول المأذنة التي بناها السلطان تتش (Tutush) أول سلطان سلجوقي في نهاية القرن
الحادي عشر. هذه الجوهرة التي يبلغ ارتفاعها 45 متراً هي نموذج معماري للعالم بأسره
نظراً لواجهتها المُقسمة إلى أربعة أجزاء يفصل فيما بينها كتابات كوفية، ولكنها
تحولت إلى أنقاض في شهر آذار. اندلعت الحرائق الناجمة عن القصف في المدينة
القديمة، كما تهدم الجزء الأكبر من الأسواق القديمة التي كان يحلو التنزه فيها
بمنأى عن شمس الصيف الحارة أو أمطار وبرد فصل الشتاء...
لن
ينتهي هذا الدمار إلا بوقوف المعارك. يجب الإسراع بإثارة انتباه العالم حول
العواقب الأخرى الناجمة عن هذا الدمار مثل: نهب المتاحف والمواقع الأثرية التي لم
تعد محمية. بالتأكيد، لقد أشارت السلطات السورية إلى أنها قامت بحماية "المقتنيات
الهامة" في متحفي دمشق وحلب، ونقلتها إلى خزائن المصرف المركزي. ولكن كم
هو عددها؟ وما هي هذه المقتنيات؟
تتركز التنمية السياحية في سورية على غنى تراثها
المحلي. هناك 38 متحف في جميع أنحاء سورية، وتضرر حوالي 12 متحفاً منهم. بالنسبة
لمتحف دورا أوربوس، تم اقتلاع أبوابه ونوافذه، وأصبح معرضاً لجميع الأطماع. تعرض
متحف قلعة جعبر للنهب أيضاً، هذا المتحف الذي كان يحتوي على الأثار التي تم العثور
عليها أثناء عمليات التنقيب في بعض المواقع الأثرية مثل موقع إيمار Emar قبل بناء سد
الطبقة. من المعروف ما هي حالة متحف حمص...
بالنسبة لبعض المواقع الأثرية مثل إيبلا ودورا
أوربوس ووادي القبور في تدمر، فإنها تتعرض لعمليات تنقيب سرية من قبل عصابات
منظمة. كما تم تفكيك حجارة المدن البيزنطية في الجبال الكلسية مثل موقع البارة الأثري.
وفي أفاميا، أظهرت الصور الجوية الحديثة الدمار المنتشر على جانبي الأعمدة
الرومانية المشهورة. إن جزءاً كاملاً من تاريخ سورية في طريقه للاختفاء تحت
أعيننا، إنه جزء من تاريخنا أيضاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق