الصفحات

الأربعاء، ٣ تموز ٢٠١٣

(المقبرة الديموقراطية للإسلاموية)

صحيفة الليبراسيون 3 تموز 2013 بقلم برنار غيتا Bernard Guetta

     لن يعترف المتشائمون، وسيستمرون بالاعتقاد أن الأنظمة الدكتاتورية كانت أكثر أماناً. ولكن الأحداث أظهرت خطأهم عندما اعتبروا أن "الربيع العربي" كان وهماً! كانوا يتحدثون عن "الخريف الإسلامي"، والدليل برأيهم هو أن ثورات عام 2011 انتهت بالفوضى في ليبيا، وبحرب أهلية في اليمن، وبتصاعد نفوذ الجهاديين في سورية، وبالانتصار الانتخابي للإسلاميين الذي سيؤدي إلى إقامة أنظمة دينية في مصر وتونس. ولكن الإسلاموية انهزمت في تونس والقاهرة بعد مرور 29 شهراً على مظاهرات ساحة التحرير وشارع بورقيبة.
     بغض النظر عمّا ستؤدي إليه الأحداث في مصر، تعرّض الإخوان المسلمون لانتقادات كبيرة ورفض صريح من الشعب المصري الذي لم يعد يريدهم. إن المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشارع للمطالبة بـ "ثورة ثانية" وإسقاط الرئيس الإسلامي محمد مرسي، ليسوا فقط طبقة الشباب في المدن التي تعيش على الطريقة الغربية، بل أيضاً الطبقات الوسطى والكثيرون من الذين صوتوا لصالح الإخوان وحتى النساء المحجبات وبعض المحافظين الذين ينظرون بارتياب إلى كلمة "العلمانية". يريد جميع هؤلاء المتظاهرين "سقوط النظام" لأن اقتصاد البلد ينهار.
     كان الإسلاميون يقولون: "الإسلام هو الحل"، ولكن ظهر بسرعة أن هذا الشعار الفارغ من المضمون لم يصمد أمام ممارسة السلطة. وضع الإسلاميون في تونس قوانين أفضل من القوانين الإسلامية في مصر، كما أخذوا بعين الاعتبار وجود الحزبين العلمانيين الاثنين اللذين تحالفا مع حزب النهضة الإسلامي من أجل تجنب مواجهة مباشرة بين رجال الدين والمُنفتحين على التجديد. سمح ذلك للإسلاميين في تونس أن يتجنبوا خيبات الأمل كما حصل مع الإخوان المسلمين في مصر. ولكن وضعهم ليس أفضل حالاً، ويعانون من تدهور الوضع الاقتصادي في تونس، وتتراجع شعبيتهم باستمرار، ويواجهون الانتقادات من جميع الجهات: سواء من قبل التيار السلفي الذي ينتقدهم بسبب عدم أسلمة تونس، أو من قبل المعسكر العلماني الذي أجبرهم على التراجع عند كل محاولة لإدراج قراءتهم للقرآن داخل القانون. أدت الديموقراطية إلى نزع المصداقية عن الإسلاميين خلال أقل من ثلاث سنوات، وذلك بعد أن ساهمت عدة عقود من القمع الذي تعرضوا له في تجميل صورتهم. ومن الواضح أن ذلك ينطبق أيضاً على تركيا.
     وافق الإسلاميون في تركيا على مبادىء الديموقراطية والعلمانية قبل عشر سنوات من موافقة الإسلاميين في مصر وتونس، واستطاعوا الفوز بالانتخابات ثلاث مرات منذ عام 2002، وساهموا ببروز تركيا كقوة اقتصادية صاعدة. ولكن الشباب والطبقات الوسطى انقلبوا ضد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بمجرد ظهور إرادته بتعزيز سلطته. لقد نجح الإسلاميون الأتراك بعملية التحديث الاقتصادي والسياسي، ولكنه انقلب عليهم اليوم، وهم مجبرون على التحوّل إلى مُجرّد حزب محافظ.

     ولكن ماذا نقول عن ليبيا؟ واليمن؟ وسورية؟ الجواب هو أن ليبيا أصبحت أقل تهديداً للأمن العالمي بالمقارنة مع حكم القذافي، وما زالت اليمن هشة كما كان عليه الحال منذ توحيدها، ولم يكن بإمكان الجهاديين الحصول على مثل هذه الأهمية في سورية، لو استطاع الديموقراطيون منع بشار الأسد من البقاء في السلطة وقتل شعبه. ولكن ذلك لا يعني أن كل شيء سيكون أفضل حالاً في الدول الإسلامية، لأن أية ثورة تتقدم، وستكون مسيرتها طويلة وغامضة. إن المظاهرات الضخمة في القاهرة وبطولة السوريين وتحرّك التونسيين والنتائج الانتخابية الإيرانية والأحداث الأخيرة في تركيا، من المفترض أن تؤدي في النهاية إلى التخلّص من المقولات الحمقاء حول التعارض بين الإسلام والديموقراطية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق