صحيفة الفيغارو
5 تموز 2013 بقلم الباحثة في المركز الوطني الفرنسي للدراسات العلمية CNRS ماري ميندرا Marie Mendras
كان
لا بدّ من أكثر من سنتين من أعمال العنف المتطرفة ومئة ألف قتيل والعديد من
الإهانات الدبلوماسية لكي تعترف حكوماتنا الديموقراطية علناً بأن روسيا لا تتمنى
التعجيل بحل المشكلة في سورية. كان ترددنا يتغذى من الوهم بتراجع الموقف الروسي،
وأدى هذا التردد إلى تشدد الموقف الروسي: إنهما ظاهرتان متداخلتان، وتُعزز كل
منهما الأخرى. لماذا يقوم بوتين بتسليح نظام سيسقط في النهاية وبالدفاع عنه؟ عبّر
القادة الروس عن موقفهم منذ عام 2011، وتمسكوا به. إن موقفهم الحازم بالكلام
والفعل كان عنيداً، ويتلخص بأربعة مُسلّمات مكررة دوماً هي: "المتمردون
هم إرهابيون يُهددون أمن سورية والمنطقة بأسرها"، "لن
تتسامح روسيا مع تدخل خارجي ضد دولة ذات سيادة"، "روسيا
هي مُصدّر موثوق، ويُسلّم الأسلحة التي تم الاتفاق عليها في العقود الموقعة"، "الغرب
والسعودية يُسلمون المنطقة إلى الإسلاميين".
لا
بدّ من دبلوماسي سوفييتي محنك مثل سيرغي لافروف وعضو سابق في المخابرات الروسية (KGB) مثل فلاديمير
بوتين من أجل تكرار مثل هذا النوع من الإدعاءات دون أن يرف لهما جفن، وذلك في
الوقت الذي يقوم فيه رجال بشار الأسد باستخدام الأسلحة الروسية لقتل المدنيين. لا
بدّ أيضاً من أشخاص شنّوا الحرب الثانية على الشيشان، وفرضوا النظام القمعي لرمزان
قاديروف عام 2004. إن الصور التي عرضها التلفزيون الروسي عن سورية تُظهر فظاعات "المتطرفين
الإسلاميين" المنسوخة عن التحقيقات المصورة حول "الإرهابيين
الشيشان" بين عامي 2001 و2003. إن القنابل وأعمال الترهيب
التي يرتكبها ما يُطلق عليه حتى الآن "الجيش
النظامي" للأسد، لم تُعرض إطلاقاً لكي لا تُشوش على الرسالة
البسيطة القائلة بأن الدولة السورية تتعرض لهجوم من قبل المتطرفين السوريين
والأجانب بدعم من القوى الخارجية.
إن
روسيا في الواقع هي قوة تدخلية في سورية، وهي التي تحتج بعنف عندما نتحدث بحذر عن
إمكانية تقديم الدعم المسلح إلى المتمردين. لم يكن الرئيس الروسي يتوقع بقاء نظام
الأسد لفترة طويلة، وحتى مع الأسلحة والمستشارين الروس (الذي يقوم بإعادتهم سراً
وبشكل محدود). كان يبدو في ربيع عام 2012 أن التمرد على وشك الانتصار، وكان خبراء
الكريملين والمحللون الإستراتيجيون العسكريون يستعدون لسقوط النظام والفوضى التي
ستعقب ذلك، وتمت دراسة إخلاء الروس وبعض المسؤولين السوريين. كان بإمكان بوتين
حينها ممارسة الضغط على الأسد، ولكنه رفض ذلك.
إن
المفاجأة السعيدة بالنسبة للروس كانت بقاء النظام عبر تصعيد العنف بلا حدود،
وتجاوز جميع "الخطوط الحمر"
(غاز الساران وتدخل حزب الله وعرقلة المساعدة الإنسانية والقصف خارج الأراضي
السورية). إن حقيقة الدعم الروسي الفعال أدى إلى تغيير موازين القوى وإبقاء الأسد،
الأمر الذي عزز تصميم فلاديمير بوتين. وهكذا، استعادت روسيا قدرتها على جذب اهتمام
العالم عبر استخدامها لحق النقض في مجلس الأمن ورفضها التوقف عن إرسال الأسلحة إلى
النظام الدكتاتوري. كما لم تنجح الدول الغربية ودول الخليج في الاتفاق على الرد،
كان باراك أوباما مُرتبكاً بأفغانستان والعراق ولا يرغب بالتدخل. وكان الثنائي
الاستبدادي الروسي ـ الصيني يُسيطر على الوضع في نيويورك.
تعززت إستراتيجية بوتين القائمة على عدم التخلي
عن أي شيء وإرسال المزيد من الأسلحة. لأنه، من وجهة نظره، ما الذي سيربحه من دفع
الأسد إلى الرحيل، والدفاع عن المدنيين السوريين ضد الجيش؟ كان بإمكانه مدّ يده
إلى الولايات المتحدة، وإعطاء شيك على بياض إلى الدول الأوروبية والعربية "التابعة"
لواشنطن، لكي تفرض على دمشق نظاماً سنياً معارضاً لإيران التي تُمثل الحليف الأخير
لموسكو في المنطقة. إذاً، ليس هناك أية فائدة مباشرة بالنسبة لروسيا، بل تراجع
واضح في النفوذ الإستراتيجي... وانتصار ممكن للغرب وقطر والسعودية! بالإضافة إلى
سقوط دكتاتور. لقد تأثر بوتين كثيراً بسقوط الرئيس التونسي والمصري والليبي.
يواجه الرئيس الروسي احتجاجات داخلية جدّية منذ
انتخابات عامي 2011 ـ 2012، ولكن ليس هناك رأي عام فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
لا يهتم الروس بما يحصل في سورية وإيران بسبب عدم توفر معلومات تلفزيونية ناقدة
وانشغالهم بمصيرهم، كما أنهم يشعرون بالحذر من أي شيء يتعلق بالعالم الإسلامي. كان
القادة الروس يحاولون إقناع أنفسهم بأن موجة الاحتجاج في المنطقة ستتوقف في ليبيا
ومصر عام 2011 وأن "شرقهم الأوسط"
(سورية وإيران) سيبقى بمنأى عن الاحتجاجات. ولكنهم أخطأوا، ولم يتحملوا ذلك. إنه
سبب آخر في تعنتهم ومنعهم لأي حل "أمريكي ـ عربي"
للنزاع السوري. إن امتناع روسيا عن التصويت على القرار الصادر بتاريخ 17 آذار
2011، سمح بإسقاط نظام القذافي، وكانت الرسالة الروسية الموجهة لنا هي التالية: "موافقون
على إيقاف زعزعة الاستقرار في المغرب العربي، إذا تجنبتم انتقال العدوى. إنها
مسؤوليتكم".
ارتبك
فلاديمير بوتين تجاه التمرد السوري، واعتبر أنه تعرض "للخيانة"
من قبلنا في ليبيا. ولم يمنح بعدها أية فرصة إلى الأوروبيين ولا إلى وسطاء الأمم
المتحدة، كما لم يُفكر إطلاقاً بشكل جدي بحل تفاوضي حول طاولة مؤتمر جنيف. ولكنه
لا يُعارض فكرة تنظيم حدث إعلامي كبير بشكل مشترك من قبل القوتين العظميين. إن إرتقاء
روسيا للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة كثنائي عالمي هو حلم قديم، وقد كلفها هذا
الحلم ثمناً باهظاً في الحقبة السوفييتية.
الحسابات الروسية هي متابعة الوضع عن كثب قدر
الإمكان، واستباق اللحظة التي سينقلب بها هذا النزاع. عندها، سيتفاوض الرئيس
الروسي لإيجاد مخرج للدكتاتور بثمن باهظ، وسيفرض نفسه في المساومات، وسيخرج مُعززاً
من نزاع "على الطريقة الأفغانية"،
هذا النزاع الذي أظهرت الدول الغربية فيه تقلّب موقفها وعجزها. لن تحصل هذه
النهاية السعيدة على الطريقة الروسية، أو حتى على الطريقة الغربية. لقد مرّ الوقت
ودمّر، وتجاوز النزاع الحدود السورية. إن السؤال الهاجس اليوم هو تحمّل مسؤولية
العنف الماضي والحالي، والإدارة المستقبلية لمنطقة اجتاحها الدمار ولا يمكن
إهمالها بسبب موقعها الإستراتيجي الهام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق