الصفحات

الأربعاء، ٣١ تموز ٢٠١٣

(اختناق غزة وعزل حماس)

صحيفة اللوموند 31 تموز 2013 بقلم مراسلها في إسرائيل لوران زوكيني Laurent Zecchini

     حصل مؤخراً حدثان يُظهران عزلة حماس: الأول هو قرار السلطات المصرية بملاحقة الرئيس المصري السابق محمد مرسي قضائياً بسبب علاقاته مع حركة المقاومة الإسلامية. الثاني هو قرار حكومة إسماعيل هنية بإغلاق مكتب تلفزيون العربية لاتهامه بنشر "معلومات كاذبة" حول المساعدة التي تُقدمها حماس إلى الإخوان المسلمين المصريين. يؤكد الخبر الأول أن حماس أصبحت العدو اللدود للعسكريين المصريين الذين يتهمونها بمساعدة التمرد الإسلامي في سيناء. يُظهر الخبر الثاني أن حماس لم تعد تعرف ما العمل للحصول على رضى جارها القوي الذي يملك الوسائل القادرة على خنق 1.7 مليون شخص في غزة اقتصادياً، وهذا ما بدأ القيام به.
     بدأ العقاب الجماعي الذي يفرضه الجيش المصري على غزة قبل الانقلاب بفترة قصيرة، وما زال مستمراً بشكلين: الأول، تدمير حوالي 70 % من أنفاق التهريب تحت الحدود، هذه الأنفاق التي تؤمن 60 % من احتياجات السكان، وتُشكل الرئة الاقتصادية لقطاع غزة. الثاني، خنق معبر رفح الذي يمثل نقطة الخروج الوحيدة لسكان غزة. أطلقت المنظمات الإنسانية نداء تحذيرياً حول النتائج الاجتماعية لهذا الحصار الذي يُذكّر بالحصار الذي بدأته إسرائيل عام 2008.
     وجّهت الموجة المعاكسة للربيع العربي ضربة قوية للأحزاب الإسلامية في المنطقة، ولاسيما إلى الإخوان المسلمين الأردنيين وحماس اللتين تزعزعتا بسبب إعادة النظر بإستراتيجيتهما السياسية. يبدو أن الملك الأردني عبد الله الثاني خرج مُعززاً بعد انقطاع العلاقة بين جبهة العمل الإسلامي والرئيس مرسي، ولكنه ربما يكون نجاحاً مؤقتاً. تشعر المعارضة الإسلامية الأردنية بشكوك متزايدة تجاه النظام الديموقراطي الذي يمكن إزالته بسرعة كما حصل في مصر. أدى ذلك إلى تزايد الرغبة بالراديكالية. فيما يتعلق بحماس، فإنها أكبر الخاسرين. أكد مسؤولو حماس أن الحركة تعرضت للقمع كثيراً (في الأردن ولبنان وسورية)، وأن العسكريين المصريين يستخدمونها مؤقتاً في حملتهم لنزع المصداقية عن حقبة مرسي. يشعر مسؤولو حماس بالقلق.
     قطع رئيس المكتب السياسي خالد مشعل في شهر شباط 2012 الجسور مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد الذي كان يحثه على قتال المعارضة السورية. اعتبرت حماس أن التضامن مع دكتاتور دموي غير مجدي على الرغم من المساعدة التي قدمها النظام العلوي لها خلال عدة سنوات. أدى ذلك إلى فقدانها لدعم عرابها القوي في دمشق وإيران وحزب الله اللبناني.
     لم يكن تغيّر التحالفات خطيراً جداً ما دامت مصر الإخوان المسلمين تُمثل البديل. وكان بإمكان غزة الاعتماد أيضاً على ملايين الدولارات التي وعدت بها قطر، وعلى استعجال تركيا الحريصة دوماً على الظهور كقوة إقليمية باعتبارها بطلة القضية الفلسطينية. ولكن أمير قطر الجديد تميم بن حمد آل ثاني يبدو أنه لا يميل كثيراً إلى فتح خزائنه أمام منظمة ما زالت الدولة الغربية تعتبرها إرهابية. كما أن التدهور المفاجىء للعلاقات بين مصر الجديدة وأنقرة أدى إلى تأجيل مشروع زيارة رئيس الوزراء التركي إلى غزة حتى إشعار آخر.
     هل أصبحت حماس مجردة من الدعم المالي والعسكري؟ يُمثل تدمير الأنفاق خسارة كبيرة بالنسبة لحكومة اسماعيل هنية، كما قامت إيران التي تمول 60 % من موازنتها بتخفيض تحويلاتها المالية والعسكرية بشكل كبير. ولكن طهران ربما تقوم بتليين موقفها حتى ولو كانت تتمنى "معاقبة" حماس: لا تملك إيران وسيلة عسكرية أفضل لمواجهة إسرائيل في المنطقة. إن عزلة حماس تُهدد بوقوع ضحيتين جانبيتين: الأولى هي المصالحة الفلسطينية. أدت إستراتيجية محمود عباس باستئناف المفاوضات مع إسرائيل إلى ظهور انتقادات لاذعة من قبل حكومة غزة. لن يكون رئيس السلطة الفلسطينية مرغماً على تشكيل حكومة وحدة وطنية إلا في حال فشل عملية السلام. الضحية الثانية والأساسية هي مصير سكان غزة. تشير جميع المؤشرات إلى أن حماس المعزولة سياسياً ومالياً، تُشدد قبضتها على الأحزاب السياسية والمجتمع المدني. ربما يتعرض سكان غزة في الأشهر القادمة إلى عقوبة مزدوجة هي الفقر وتشديد القمع السياسي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق