الصفحات

السبت، ١٣ تموز ٢٠١٣

(التغيّرات العربية الكبيرة)

صحيفة اللوموند 12 تموز 2013 بقلم آلان فراشون Alain Frachon

     هناك أمر مؤكد داخل  الفوضى الناجمة عن "الربيع العربي" هو أن الإعصار لن يهدأ قريباً، ويجب انتظار عشرة أو خمسة عشر أو حتى عشرين عاماً من الاضطرابات المتكررة قبل التوصل إلى توازن سياسي جديد. وصلت الاضطرابات إلى المنطقة بأسرها تقريباً، وهناك ثورات وحرب أهلية وانقلاب. إن الرياح التي تهب تحمل معها تحولاً تاريخياً عميقاً.
     وعد الجيش المصري بانتخابات بعد ستة أشهر. ولكن إذا كانت الانتخابات القادمة حرّة، من الممكن أن ينتصر الإخوان المسلمون بها. بانتظار ذلك، تعيش مصر على الإعانات المالية من ممالك الخليج. فيما يتعلق بالدولتين اللتين كانتا قويتين في الشرق الأوسط أي سورية والعراق: تُكافح الأولى من أجل بقائها على قيد الحياة، والثانية مُهددة بحرب طائفية جديدة. لقد أصبحت مصر وسورية والعراق دولاً شبه مُفلسة بعد أن كانت هذه الدول ترسم مصير العرب.
     استطاع نظام بشار الأسد العلماني تحويل النزاع السوري من مواجهة بين نظام استبدادي وجزء كبير من شعبه، إلى مواجهة سياسية دينية. من جهة، هناك النظام المدعوم من إيران الشيعية وحزب الله اللبناني. ومن جهة أخرى، هناك تمرد ذو أغلبية سنية ومدعوم من ممالك الخليج. تتداخل ثلاثة مستويات مختلفة في النزاع السوري: المستوى الوطني أولاً، ثم الإقليمي، وأخيراً الدولي بين روسيا الحليف العسكري لطهران ودمشق، وبين الولايات المتحدة التي تدعم التحالف الآخر.
     زعزت المأساة السورية المنطقة بأسرها، وساهمت في إيقاظ المواجهة بين السنة والشيعة في العراق. يُضاف إلى ذلك أن السلطة المركزية في بغداد فقدت السيطرة على الجزء الكردي من البلد. أدت وحشية المعارك في سورية إلى هروب أكثر من نصف مليون شخص إلى الأردن، الأمر الذي ساهم في إضعاف بلد آخر. إن الانخراط الكبير لحزب الله في المعارك السورية بإيعاز من إيران، يدفع لبنان أكثر فأكثر إلى الحرب حسب الانقسامات الطائفية نفسها تقريباً بين الشيعة والسنة.
     ليس هناك في الأفق طرف مُنتصر في سورية. اجتاحت دوامة الحرب هذا البلد، ويمكن أن تستمر فترة طويلة مثل الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975 و1990. بدأت الحكومات تتصور إعادة تشكّل الأراضي، وترى أنه من الممكن تشكل منطقة لبنانية ـ علوية تحت سيطرة نظام دمشق وحزب الله. بشكل موازي، أصبحت المنطقة الكردية في سورية في طريقها نحو التحرر بدعم من المنطقة الكردية المستقلة في العراق. بدأت الحدود بالتحرك بعد أن رسمتها فرنسا وبريطانيا عام 1916.
     تلعب إيران دوراً هاماً في هذه الدوامة الشرق أوسطية، ويبدو أنه خيار لا يحظى بالشعبية لدى الإيرانيين. بذلت الجمهورية الإسلامية جهوداً كبيرة في تحالفها مع حزب الله وسلطة الأسد، ويمكن أن تكون هزيمة الإيرانيين بالنسبة لآية الله علي خامنئي شبيهة بفشل الجيش الأحمر في أفغانستان: أي بداية النهاية. إن طهران ليست بمنأى عن العاصفة العربية.
     ترسّخ الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط عبر التحالف المزدوج مع إسرائيل والسعودية. تتمسك الولايات المتحدة حالياً بإجراء انسحاب نسبي، ولم تنخرط جدياً من جديد بالنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وتدعم الجيش المصري مع الحفاظ بالوقت نفسه على علاقات جيدة مع الإخوان المسلمين، وابتعدت عن العذاب الذي تعانيه سورية. أدى الواقع الاقتصادي المتعلق بالطاقة إلى تغيير الملامح الإستراتيجية للمنطقة بالنسبة لواشنطن التي تستطيع اليوم الاستغناء عن النفط في الشرق الأوسط.
     تعرّضت روسيا للتهميش بعد الحرب الباردة، وبدأت بالعودة قليلاً بفضل تحالفها مع طهران ودمشق. تعتمد الصين كثيراً على النفط في الشرق الأوسط، وانضمت إلى السياسة الروسية في هذه المنطقة. بالنسبة لأوروبا، إنها قوة مالية وليست طرفاً إستراتيجياً في الشرق الأوسط. يعني كل ذلك أن العرب أصبحوا للمرة الأولى بتاريخهم أسياد قرارهم ومصيرهم.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق