الصفحات

السبت، ٢ شباط ٢٠١٣

(أوروبا تتساءل حول عقوباتها)


صحيفة اللوموند 28 كانون الثاني 2013  بقلم مراسلها في بروكسل جان بيير ستروبانتس Jean-Pierre Stroobants

     هل العقوبات الأوروبية المتكررة على روسيا البيضاء وإيران وسورية تتصف بالمصداقية والفعالية؟ ألم تُستخدم هذه العقوبات لإخفاء الخلافات الكثيرة بين الأوروبيين، ولتأكيد وجود نفوذ أوروبي، في حين أنه يتولد الانطباع لدى الجميع بتراجع نفوذ ومصداقية الاتحاد الأوروبي؟ صدر تقرير عن مجموعة دراسات تُدعى Notre Europe بعنوان: "النفوذ الأوروبي، ضرورة تغيير النموذج" في شهر تشرين الأول 2012. كتبت الباحثة إلفير فابري Elvire Fabry في هذا التقرير: "يمكن أن تؤدي هذه العقوبات إلى تهميش تدريجي في عالم متعدد الأقطاب". أليست العقوبات والحظر هم الوسائل الوحيدة حالياً للعمل الأوروبي، وذلك في الوقت الذي ما زالت فيه بقية السياسات الأوروبية مُجزأة وتواجه انقسامات داخلية؟
     يأتي هذا النقاش في الوقت الذي يُطرح فيه السؤال أكثر من أي وقت مضى عن إمكانية بروز دبلوماسية أوروبية حقيقية في عام 2013. من الناحية النظرية، يقف الاتحاد الأوروبي على الخط الأول لعدة جبهات منها: المفاوضات في الملف النووي الإيراني والنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وتداعيات "الربيع العربي". يُضاف إليها ملفات الساحل (الصحراء الإفريقية) والعلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة ـ مع إلحاح قوي من واشنطن لكي يقوم شركاؤها بزيادة استثماراتهم في المجال العسكري ـ والعلاقات مع أوكرانيا، دون أن ننسى الحرب الأهلية السورية. ويبدو أن سياسة العقوبات المتتابعة في الملف السوري قد استنفذت أهدافها، وربما استنفذت أهدافها أيضاً فيما يتعلق بإيران.
     صدرت مؤخراً دراسة عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية European Council on Foreign Relations، وهو أحد مراكز الدراسات المؤثرة في لندن. توصلت هذه الدراسة إلى نتيجة قاسية حول السياسة الأوروبية للعقوبات خلال السنوات الماضية. اعتبر كاتب هذه الدراسة كونستانتي جيبرت Constanty Gebert أنه يمكن تشبيه هذه العقوبات بـ "إطلاق النار في الليل"، أي بمعنى أن نتائجها غامضة ولا يتم قياسها بشكل عام. وأشار إلى أن سياسة العقوبات الأوروبية هي وسيلة لكي تفرض أوروبا نفسها على الساحة الدولية، واعتبرها وسيلة "مُفاجئة"، لأن الاتحاد الاوروبي عادة هو من أنصار القوة الناعمة، ولا يملك إمكانيات عسكرية حقيقية لنشرها في الخارج. لا يمكن اعتبار العقوبات إلا وسيلة لسياسة "ناعمة" باعتبار أنه يمكن أن ينجم عنها نتائج قاسية جداً على الدول المعنية وبشكل خاص على السكان المدنيين.
     لا توجد قياسات دقيقة لمعرفة  العلاقة بين هذه السياسة ونتائجها، كما لا توجد قاعدة واحدة فيما يتعلق بتطبيقها. لقد لوحظ وجود اختلافات كبيرة بين العقوبات على روسيا البيضاء ومينمار وليبيا. فيما يتعلق بروسيا البيضاء، لقد فشلت العقوبات المتخذة ضدها (تجميد أموال قادة النظام ومنع إعطاء تأشيرات دخول...) بين عامي 1998 و2010 في إنهاء القمع وتحرير نظام لوكاشينكو. إن الحالة في مينمار مختلفة، حتى ولو كانت لا تسمح بالتأكيد على أن سياسة العقوبات تُشجع على إقامة أنظمة أكثر ديموقراطية. وأشار كونستانتي جيبرت إلى أن حالة مينمار تُظهر "ضرورة أن تكون أوروبا أكثر واقعية" وأن تترك منفذاً للخروج بالنسبة للذين تستهدفهم. أما العقوبات على ليبيا، فلم تنجح في تحقيق أهدافها إلا بعد الحرب التي قامت بها فرنسا وبريطانيا.
     كيف يمكن تقدير آثار هذه الإستراتيجية؟ يدعو كونستانتي جيبرت إلى استخدام أداة أوروبية واحدة. هناك موظفون أكفاء في الإدارة الأوروبية للعمل الخارجي برئاسة كاترين أشتون، ولكن عددهم قليل. تكمن المشكلة الحقيقية في أغلب الأحيان بأن الدول تُزود هذه الإدارة بمعلومات غير دقيقة أو خاطئة حول الشخصيات المُستهدفة، وهذا هو السبب في تزايد عدد الشكاوى في المحكمة الأوروبية في اللوكسمبورغ. يبدو أنه من الصعب أيضاً قياس الآثار الحقيقية على السكان، لأن ذلك يتطلب التواصل بأفضل شكل ممكن مع مواطني الدولة المُستهدَفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق