الصفحات

الخميس، ٢٣ كانون الثاني ٢٠١٤

(سورية: تطلعات الأطراف المتصارعة في جنيف 2)

صحيفة اللوموند 23 كانون الثاني 2014  بقلم مراسلها الخاص في مدينة مونترو السويسرية بنجامان بارت Benjamin Barthe

     لا يتوهم وفد المعارضة السورية بوجود أية فرصة لنجاح مؤتمر جنيف 2. ولكن من أجل تبرير مشاركته، أشار أحد المعارضين إلى مثل عربي قديم يقول: "يجب اللحاق بالكذاب إلى وراء الباب". بمعنى آخر، ليس هناك أفضل من مؤتمر دولي يتابعه العالم بأسره من أجل إظهار أنه ليست هناك أية عملية انتقالية ممكنة ما دام بشار الأسد على رأس السلطة. ويعتبر بعض المعارضين أن هذا المؤتمر هو فرصة للعودة إلى واجهة الأحداث، وإعطاء الصوت إلى التيار المدني والديموقراطي في مواجهة تصاعد القوة المسلحة للإسلاميين.
     يمثل مؤتمر جنيف نبأ ساراً بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد الذي يأمل بعرقلة أية عملية انتقالية من خلال هذا المنبر الممنوح له. إن طبيعة الوفد الذي أرسله إلى المؤتمر تكشف عما يفكر به. أظهر الوفد أن رجل دمشق لا يعتبر الأزمة الحالية كتمرد شعبي ولا حتى كحرب أهلية، بل كمؤامرة عالمية، ويجب حلها بين الدول. يعرف أعضاء الوفد السوري مدى القلق في العواصم الأوروبية من المشاركة المتزايدة لمواطنيها في صفوف الجهاديين، ولذلك يحاولون توجيه النقاشات نحو موضوع مكافحة الإرهاب. في أفضل الحالات، يمكن أن تقبل السلطة السورية بوقف لإطلاق النار، أو حتى السماح بدخول مساعدة إنسانية ظاهرياً إلى المناطق المحاصرة. إلى متى سيتساهل عرابو المؤتمر والمعارضة أمام هذه المناورات التسويفية؟ هذا هو المجهول الأكبر في مؤتمر جنيف 2.
     أظهرت الأزمة السورية إلى أية درجة بإمكانها زعزعة التوافق بين الدول الغربية. لقد تلاشت وحدة الموقف على جانبي الأطلسي بعد إجهاض التدخل العسكري ضد نظام الأسد. ولكن باريس ولندن وواشنطن ما زالت تؤكد حتى اليوم أنها تدافع عن هدف واحد هو: تنفيذ عملية انتقالية تؤدي إلى إبعاد بشار الأسد. ولكن هناك تطوران ربما يُغيران هذا التوجه: أي الاتفاق على تدمير الترسانة الكيميائية السورية وبروز الجهاديين في سورية، الأمر الذي يدعو الحكومات الغربية إلى المرور عن طريق "محطة الأسد". إن فرنسا، دون أن تقول ذلك بصراحة، ليست بعيدة جدا ًعن التفكير بأن الأمريكيين لن يترددوا بالتوقيع على اتفاق مع الروس بعد التسوية حول الأسلحة الكيميائية السورية. قال دبلوماسي فرنسي: "الولايات المتحدة هي سفينة كبيرة تتحرك عبر التجديف. لم أعد أعرف ما هو الموقف الأمريكي منذ التحول المفاجىء لموقف أوباما حول الخيار العسكري ضد دمشق".
     إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من الدعم الروسي لمشاركة إيران في مؤتمر جنيف 2، سمحت الأزمة السورية لروسيا باستعادة دورها كقوة عظمى. تدافع روسيا عن بشار الأسد لاعتبارات داخلية هي: مكافحة الحركات الإسلامية السنية التي تحاربها موسكو في القوقاز منذ عشرين عاماً. اختارت روسيا بشار بدلاً من الفوضى الإسلامية.
     لم تكن السعودية وقطر من المتحمسين لمؤتمر جنيف 2. يريد هذان النظامان السنيان إسقاط بشار الأسد من أجل تحطيم المحور الشيعي الممتد من طهران إلى بيروت. ولكن تراجع التمرد واستئناف عملية جنيف من قبل حاميهما الأمريكي أجبرهما على الدخول في رهان الحل السياسي. استطاع المبعوثون السعوديون والقطريون إلى تركيا الحصول من المجموعات المسلحة على عدم انتقاد افتتاح المفاوضات كثيراً، وذلك عن طريق إرسال الحقائب المليئة بالأموال. كما قامت الرياض، بطلب من واشنطن، برعاية هجوم المتمردين ضد الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التابعة لتنظيم القاعدة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق