الصفحات

الثلاثاء، ٧ كانون الثاني ٢٠١٤

(تجميع بعض البراهين من أجل محاكمة مستقبلية لجرائم الحرب في سورية)

صحيفة اللوموند 7 كانون الثاني 2014 بقلم مراسلتها في لاهاي ستيفاني موباس Stéphanie Maupas

     صدر الأمر من أجهزة استخبارات القائد العام للقوات المسلحة السورية بتاريخ 11 نيسان 2013، إنه لا يتجاوز صفحة واحدة، وموجه إلى "جميع  الوحدات والقطعات". إنه يأمر بـ "تشكيل لجان شعبية في كل منطقة لحماية المدن والدفاع عن الخدمات العامة ومواجهة العناصر المعادية للحكومة والعصابات المجرمة". تمت أرشفة هذا الأمر بعناية في الصندوق رقم 10 داخل أحد المستودعات الأوروبية الخاضعة لرقابة شديدة، وتحمل هذه الوثيقة الرقم: SYR.D0043.005. تمت أيضاً أرشفة أكثر من 300.000 صفحة أخرى من الوثائق السورية التي تم جمعها ميدانياً من قبل شبكة من المحققين السريين، ثم تم نقلها بواسطة عشرات "المهربين" عبر الحدود السورية، ثم وصلت في النهاية إلى العواصم الأوروبية. حظيت هذه العملية الضخمة لإخراج الوثائق بأكبر قدر من السرية، وتهدف إلى الاستعداد لإقامة عدالة انتقالية بانتظار تسوية الأزمة السورية التي ما زالت بعيدة المنال.
     قام بعض المحققين في المحاكم السابقة من أجل رواندا ويوغسلافيا السابقة بتأهيل أوائل المحققين في اللجنة السورية من أجل العدالة والمسؤولية (Commission syrienne pour la justice et la resposabilité) في تركيا والأردن قبل ثمانية عشر شهراً. قال رئيس اللجنة السورية من أجل العدالة والمسؤولية، وهو قاضي كندي متقاعد لم يكشف عن اسمه ويسافر بانتظام إلى سورية: "إن السوريين مستعدين للمخاطرة من أجل الحصول على بعض الوثائق وتسجيل أقوال الشهود. من جهتنا، لدينا جميع الخبرات الضرورية السياسية والعسكرية والقضائية من أجل إدارة التحقيق وتحويله تدريجياً بحسب تحليل الوثائق".
     في الطابق الثالث تحت الأرض لأحد المستودعات التي لم يتم تحديد مكانها لأسباب أمنية، يقوم المؤرشف بيتر (Peter) بالتفتيش داخل العلب التي تصل بشكل متفرق عبر الطرود البريدية، وقال: "سيعود كل ما يتعلق بجريمة الحرب الفريدة من نوعها إلى سورية المستقبلية". يقع على عاتق السلطة الجديدة اتخاذ القرار بإرسال هذه الوثائق إلى محكمة خاصة أو إلى المحكمة الجنائية الدولية.
     بدأ الجدل حول العدالة ما بعد الحرب حتى لو كان ذلك سابقاً لأوانه. يريد السفير الأمريكي من أجل جرائم الحرب ستيفن راب Steven Rapp تشكيل "محكمة مختلطة" مبنية على اتفاق بين النظام المستقبلي لدمشق والمجتمع الدولي. تقوم مجموعة من الخبراء الأمريكيين بدراسة هذا الموضوع حالياً. قال أحد الدبلوماسيين الأوروبيين ساخراً: "هل سيقوم السعوديون بتمويل هذه المجموعة؟". أثارت هذه المبادرة الانتقادات. كانت 57 دولة قد أطلقت نداء في شهر كانون الثاني 2013، دون جدوى، لكي يقوم مجلس الأمن بإحالة الجرائم المرتكبة في سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها أكثر استقلالية. قال دبلوماسي أوروبي: "هناك إمكانية بالتوجه نحو حل سلمي في جنيف 2. يجب أن تكون مسألة الإفلات من العقاب جزءاً من التسوية النهاية للنزاع".
     بالنسبة للجنة السورية من أجل العدالة والمسؤولية المسجلة في لاهاي، إن الجواب يقع على عاتق السوريين. ترفض هذه المنظمة أي مبادرة أمريكية أو غيرها للسيطرة على هذا الموضوع مهما كان الهدف منها. قال رئيس المحققين، وهو سوري، في اتصال هاتفي من الشرق الأوسط: "إن الجريمة تبقى جريمة سواء ارتكبها النظام أو المعارضة. في البداية، كان المتمردون يحرقون كل شيء عندما يستولون على أحد الأبنية الرسمية. ولكن البعض ما زال يحرق الوثائق بسبب عدم توفر المازوت، ويحاول البعض الآخر بيعها".
     يأسف فريق العمل لموت أحد العاملين في مجموعاته، وجرح ثلاثة آخرين، وتعرض أربعة محققين للاعتقال من قبل الإسلاميين قبل الإفراج عنهم، واعتقال النظام لإمرأتين قبل مبادلتهما في النهاية. تطرق المحقق السوري أيضاً إلى التهديدات الأخيرة من قبل جبهة النصرة، وقال: "لنقل أنهم يوجهون رسائل تعبر عن معارضتهم. إننا متهمون أحياناً بكوننا عملاء للدول الأوروبية".
     يقوم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا بتمويل اللجنة السورية من أجل العدالة والمسؤولية، الأمر الذي يسمح لها بجمع الوثائق وتحليل عمل المجموعات المستهدفة. قال القاضي الكندي: "نقوم بالتركيز على C3. وهو مصطلح عسكري يعني: الطلب، الرقابة، الاتصال. وهكذا ترتسم ملامح الأمور بوضوح: من يتعاون مع من، من ينقل إلى من، والجهة التي تصل إليها التعليمات. لدينا ملفات عالية النوعية حول 25 إلى 30 متهم محتمل بعد عام على بدء العملية". تم تخصيص برنامج لجرائم التمرد: إن معالجتها أكثر تعقيداً بسبب عدم وجود هياكل واضحة وعدم وجود وثائق، باستثناء أفلام الفيديو على الأنترنت.

     يُعتبر مؤسسو اللجنة السورية من أجل العدالة والمسؤولية من بين رواد العدالة الدولية، ويشعرون بالتعب من بيروقراطية السلطات القضائية الكبيرة. قال أحدهم: "من الممكن التحقيق خلال النزاع". وقال القاضي الكندي: "إن ملفاتنا مبنية من أجل تحطيم الروايات التي برزت في ضباب الحرب. تؤكد المعارضة أن النظام هو هيكلية طائفية علوية تقوم باضطهاد الأغلبية السنية، هذا غير صحيح. يتضمن النظام العديد من العائلات العلوية، ولكنه يتضمن أيضاً تمثيلاً هاماً للمسيحيين والأكراد والسنة المتجمعين حول المصالح الاقتصادية. يقوم النظام بإسكات جميع أولئك الذين يعارضون ذلك!". إن المجرمين والضحايا هم جميع الأطراف، كما هو الحال في أية حرب أهلية. أضاف القاضي الكندي قائلاً: "نريد أن نكون مستعدين لليوم الذي يتوقف فيه العنف. سيعود الناس بسرعة إلى حياتهم السابقة، ولكن بدون العدالة ما بعد الحرب، فإنكم تخلقون أوضاعاً معقدة يتعذر حلها كما هو الحال في إيرلندة أو رواندا".  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق