الصفحات

الجمعة، ١٩ نيسان ٢٠١٣

(لنُساعد لبنان الذي يُساعد سورية)


صحيفة الليبراسيون 19 نيسان 2013 بقلم بيير ميشيليتي Pierre Micheletti، الأستاذ في معهد الدراسات السياسية في مدينة غرونوبل الفرنسية والرئيس السابق لمنظمة أطباء بلا حدود، وكامل مهنا Kamel Mohanna، مُنسّق تجمع المنظمات اللبنانية والعربية غير الحكومية ورئيس جمعية AMEL الدولية

     يقوم لبنان، بعيداً عن المبادرات الإنسانية البرّاقة، بدور حاسم في استقبال اللاجئين السوريين الذين يعبرون الحدود لكي يجدوا ملجأ لهم على أرضه. إن سورية مُنهكة وتهدمت بُنيتها بسبب نزاع يستنفذ قواها ويُحطّم بشكل مُمنهج العلاقات الاجتماعية داخل مدنها الكبرى. لا يكنّ لبنان الحقد بسبب فترة التواجد السوري الطويلة فيه (1978 ـ 2000) وبسبب الاحتلال الإسرائيلي، وما زال يُدهش المراقبين الإنسانيين ويثير التساؤلات حول ممارساتهم. تُشير الحكومة اللبنانية إلى وجود مليون سوري في لبنان (أي ما يعادل ربع سكانه!)، ومن بينهم 400.000 لاجىء مُسجّلين أو على اتصال مع المفوضية العليا للاجئين من أجل تسجيل أنفسهم.
     من قام بمثل ذلك دون تذمر أو غضب من بين أولئك الذين يُعطون الدروس الإنسانية في الدول الغربية العظمى؟ لقد أدى النزاع العراقي سابقاً إلى سيناريو "ذوبان" جزء هام من اللاجئين في مدن الدول التي استقبلتهم، بشكل أثار التساؤل حول هذه الأطراف الفاعلة في مجال التضامن التي اعتادت على تجميع اللاجئين في مخيمات. هذه المرة أيضاً، أدى غياب المخيمات الكبيرة ـ هذا المبدأ الذي رفضته السلطات اللبنانية ـ إلى ذوبان السوريين داخل السكان المحليين عبر استئجار المنازل العشوائية أو اللجوء إلى أشكال التضامن التي تربط بين الشعبين. إن أشكال التضامن تتجاوز الخصومات السياسية التي بدأت بين البلدين عام 1924 بعد صدمة التقسيم التي أرادتها الدول العظمى أثناء الانتداب الفرنسي. إنها ثورة ثقافية حقيقية بالنسبة لبعض المنظمات غير الحكومية، ليس هناك بديل آخر أكثر فعالية من العمل عبر الشبكات المحلية الموجودة والمنتشرة في جميع أنحاء لبنان. لقد حلّت هذه الشبكات منذ وقت طويل مكان النظام الحكومي الذي فشل في تنظيم المعالجة الطبية.
     يقوم لبنان بتأهيل أطباء ذي سويّة عالية وتستقطبهم دول عديدة في  جميع قارات العالم. إن 70 % من الأطباء هم أطباء مُختصون، ويعمل أغلبهم في المدن الكبرى، ولا يحصل إلا ثلث السكان فقط على ضمان صحي كامل تقريباً. يعني ذلك أن الأطراف الأخرى مثل الجمعيات الطائفية والسياسية تواكب منذ وقت طويل بروز الإجراءات البديلة لتوفير الحد الأدنى من المعالجة الطبية للسكان الفقراء و/ أو البعيدين عن مراكز المدن. إذاً، يجب أن تعتمد المنظمات غير الحكومية على هذه الشبكة التي تتواصل مع المفوضية العليا للاجئين، وذلك عبر هذه البنى التي ستواجه مصاعب كبيرة بدون مساعدة خارجية.
     إن مستقبل النزاع السوري غامض، ولا أحد يعرف إلى أين سيتجه تدفق اللاجئين الذين يتوزعون الآن على كامل الأراضي اللبنانية، ولا أحد يعرف أيضاً إلى متى ستبقى قدرة لبنان على استقبال اللاجئين بدون إلحاق الضرر بتوازنه ومستقبله. هناك فسيفساء من الأطراف اللبنانية التي تقوم بدور في استقبال اللاجئين، دون أن يخلو ذلك من أفكار سياسية مُسبقة أو نوايا مُتحزبة. لقد قيل سابقاً أن هناك الكثير من الأخطار المتعلقة باعادة تفعيل النزاعات الطائفية الداخلية بسبب تدفق اللاجئين المُنقسمين أيضاً حول هذه المسائل، وربما يكون هناك تفعيل مُتعمّد لهذا العنف عن طريق المقاتلين السوريين.
     ولكن مهما كان رأي أولئك الذين يتبنّون مقاربة تختزل النزاع السوري وإمكانية تصديره إلى لبنان ببعده الديني فقط، فإن الحقيقة أكثر تعقيداً بكثير لأن الآثار المترتبة على وصول آلاف اللاجئين كثيرة ومتناقضة. سيؤدي وصولهم إلى مزيد من الضغط على قطاع السكن، ووقت أطول للحصول على موعد مع طبيب (ولاسيما لدى المستوصفات)، وستكون هناك منافسة أكبر على العمالة غير المؤهلة. ويمكن أن تظهر الغيرة أحياناً بسبب المساعدات التي يمكن أن يطالب بها اللاجئون المسجلون لدى المفوضية العليا للاجئين. كما بدأت تظهر الدعارة مقابل خمسة آلاف ليرة لبنانية (2.5 يورو) والسرقة والحواجز والاغتصاب، هذه الظواهر التي يتورط فيها المهاجرون أحياناً تحت ضغط الإستراتيجيات الحقيقية للبقاء على قيد الحياة يوماً بعد يوم.
     ولكن الأزمة السورية هي أيضاً استهلاك للمواد الأساسية، فقد أدى وصول اللاجئين إلى تنشيط الاستهلاك وارتفاع أجور السكن، حتى عندما يقبل السوريون غرفة واحدة من أجل عائلة تتألف من تسعة أشخاص، وهو ليس أمراً نادراً. يبحث اللاجئون غير المؤهلين عن أعمال صغيرة في قطاع البناء ونقل وتفريغ البضائع والأعمال الزراعية، وهناك أرباب العمل الذين يستفيدون من هذا الوضع من أجل تخفيض أجور العمل اليومي للمياومين الذين كان أغلبهم من العمال اللبنانيين. في الوقت نفسه، وصل أيضاً السوريون الأغنياء الذين قاموا بإيداعات كبيرة في المصارف اللبنانية التي بدأت بتشجيع الاستثمار ومنح القروض بشكل عشوائي إلى زبائنها ورجال الأعمال الأكثر أهمية، الأمر الذي أدى إلى  انتشار مشاريع البناء الطموحة في جميع  أنحاء لبنان، وازدهار النشاط الاقتصادي.
     إذاً، إن المعادلة بالنسبة للبنانيين ليست واحدة ولا تقتصر على البعد الديني والطائفي الذي يُلخص جميع الأخطار. لقد تم تضخيم هذا البعد الديني عبر خطوط الانقسام التي ترتكز عليها بعض الأطراف والأحزاب السياسية، وذلك في الوقت الذي تم فيه تعيين رئيس وزراء جديد من أجل تشكيل حكومة جديدة.
     يُساهم النزاع السوري في إثارة التوتر لدى الجزء الأكثر فقراً من المجتمع اللبناني الذي تأثر بسبب وجود اللاجئين وأحياناً بسبب المناورات لإيقاظ الشياطين الطائفية القديمة. هناك أيضاً رجال الأعمال الذين يستفيدون بشكل كبير من المعطيات الجديدة. لكي لا يؤدي هذا التوتر إلى انقسام عنيف للمجتمع اللبناني، من الضروري توجيه الاهتمام إلى اللبنانيين الأكثر فقراً وإلى الدعم الذي نُقدمه إلى الأطراف المحلية المتضامنة التي ترفض الطائفية. يجب الاهتمام باللبنانيين والسوريين الأكثر تعرضاً لآثار هذه الأزمة التي أصبحت إقليمية. ولكن لا يجب أن يغيب عن اهتمامنا (عنصر إضافي في المعادلة الإقليمية) مصير اللاجئين الفلسطينيين، فقد تعلمنا الحذر من الثقوب الموجودة في ذاكرتنا الجماعية حيالهم.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق