الصفحات

الجمعة، ١٢ نيسان ٢٠١٣

(الغاز: إسرائيل تمشي على الماء)


صحيفة الليبراسيون 12 نيسان 2013 بقلم مراسلتها في إسرائيل أود ماركوفيتش Aude Marcovitch

     بدأت بتاريخ 30 آذار أول عمليات استخراج الغاز بالقرب من الشواطىء الإسرائيلية في موقع Tamar الذي يبعد ثمانين كيلومتراً عن مدينة حيفا، ويحوي هذا الموقع 246 مليار متر مكعب من الغاز. قال وزير الطاقة والمياه الإسرائيلي سلفان شالوم أن هذا اليوم هو "يوم استقلال إسرائيل على صعيد الطاقة". سيسمح هذا الموقع لإسرائيل بضمان استهلاكها من الغاز خلال السنوات العشرين القادمة، أما المواقع الأخرى فسوف تفتح أبواب التصدير وجني ثروات هائلة. هناك موقع ضخم آخر هو Léviathan الواقع على مسافة 130 كم من الشواطىء، تم اكتشافه في شهر حزيران عام 2010، ويحوي على الأقل 476 مليار متر مكعب من الغاز. يقوم باستثمار موقع Tamar الشركة الأمريكية Noble Energy والشركتين الإسرائيليتين Delek وAvner. وقامت الشركة الإسترالية Woodside Petroleum بتوقيع عقد مبدأي للمشاركة في استثمار موقع  Léviathan.
     تمتد حقول الغاز الإسرائيلية باتجاه شمال وشرق الشواطىء الإسرائيلية، الأمر الذي دفع بالدولة العبرية إلى التوقيع على اتفاق مع قبرص لترسيم المناطق الحدودية الاقتصادية فيما بينهما. ولكن لبنان تقدّم فوراً بشكوى أمام الأمم المتحدة، واحتج على منطقة الاستثمار الإسرائيلية مُعتبراً أن ترسيم الحدود بين إسرائيل وقبرص يعتدي على مياهه الإقليمية. قام كل من لبنان وإسرائيل بعد الشكوى اللبنانية بعرض ترسيمه للحدود البحرية أمام الأمم المتحدة. هناك اختلاف كبير بين العرضين اللبناني والإسرائيلي حول المناطق القابلة للاستثمار. أعلنت الصحافة الإسرائيلية في شهر كانون الأول عن دخول الولايات المتحدة كوسيط في هذه المعضلة الحدودية، وقامت واشنطن بتقديم خريطة يمكن أن تُمثل تسوية بين الجانبين.
     عندما تتم تسوية هذه المشكلة الحدودية، ستواجه إسرائيل تحدياً جيوسياسياً آخراً هو: اختيار الدول التي ستُصدّر إليها الغاز وأماكن عبور أنابيب نقل الغاز. قررت إسرائيل منذ حوالي عشر سنوات أن تجعل الغاز أحد مصادرها الرئيسية من الطاقة، وهو يُشكل اليوم 40 % من استهلاك الطاقة في إسرائيل. استطاعت إسرائيل تأمين احتياجاتها من الغاز بفضل طريقين: الأول هو حقل غازي صغير اسمه Yam Tehthys (تم اكتشافه عام 2000 ويحوي 32 مليار متر مكعب). الطريق الثاني هو مصر، فقد تم بناء خط أنابيب لنقل الغاز تحت البحر بين مدينة العريش المصرية وميناء عسقلان الإسرائيلي بناء على الاتفاق المُوقع بين مصر وإسرائيل عام 2008. ولكن نقل الغاز عبر هذه الأنابيب تأثر فوراً بسبب تراجع السيطرة المصرية على سيناء، وتخلّت إسرائيل في النهاية عن الغاز المصري بسبب عشرات عمليات التخريب التي تعرضت لها أنابيب الغاز، وأصبحت تعتمد على تأمين 60 % من احتياجاتها بفضل الغاز المُستخرج من حقل Yam Thethys الذي سينضب قريباً. تُفكّر إسرائيل اليوم بإمكانيات أخرى للتصدير بعد هذه التجربة المصرية السيئة والتوجهات السياسية والاقتصادية الحالية في المنطقة. أشارت لجنة إسرائيلية مؤخراً إلى 53 % من الغاز المكتشف سيتم تصديره.
     أشار أستاذ  الاقتصاد إيتان شيشينسكي Eytan Sheshinski، مدير اللجنة الاستشارية لدولة إسرائيل، إلى أنه يرفض إمكانية تصدير الغاز إلى الأردن بسبب احتمالات عدم الاستقرار السياسي في هذا البلد. ولكن هناك أسواق أخرى أمام الغاز الإسرائيلي هي أوروبا والشرق الأقصى.  سيعبر الطريق إلى أوروبا إما عن طريق تركيا أو اليونان بفضل أنابيب الغاز تحت الماء.
     تم التفكير قبل عدة سنوات بمشروع بناء خط أنابيب كبير تحت الماء بين إسرائيل وتركيا اسمه "ممر البنى التحتية". كان من المفترض أن ينقل هذا الأنبوب الغاز والألياف البصرية والنفط والماء. ولكن الجفاء في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أدى إلى إلغائه. أكد لنا مسؤول إسرائيلي رسمي أن اليونان أصبحت حالياً البلد المُفضّل لعبور الغاز على الرغم من الأضرار التي ستلحق بأنقرة التي لا تنظر بعين الرضى إلى التقارب بين إسرائيل واليونان. ولكن من الممكن أن تكون الأزمة الاقتصادية الحالية في اليونان وقبرص حائلاً دون تنفيذ هذه الأنابيب لنقل الغاز.
     بالإضافة إلى ذلك، إن وصول الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا سيكون اعتداء على المنطقة المُفضّلة لشركة الغاز الروسية العملاقة Gazprom التي لا تنوي التراجع قيد أنملة. تخشى الشركة الروسية من أن يؤدي وجود مُصدّر جديد للغاز إلى تخفيض الأسعار. وقد دافع فلاديمير شخصياً عن الشركة الروسية أثناء زيارته إلى إسرائيل في شهر حزيران عام 2012، وطرح عرضاً لكي تُشارك شركة Gazprom في استثمار موقع Léviathan. ولكن في النهاية حصلت شركة Woodside الإسترالية على اتفاق مبدأي بالمشاركة في استخراج الغاز مع الشركة الأمريكية Noble Energy والشركتين الإسرائيليتين Delek وAvner.
من الممكن أيضاً تصدير الغاز الإسرائيلي إلى الدول الآسيوية، لأن ارتفاع الطلب في هذه المنطقة يترافق مع أسعار أعلى بالمقارنة مع أوروبا. بما أنه من المستحيل مرور الأنابيب عبر الشرق الأوسط انطلاقاً من إسرائيل، من المفترض نقل الغاز عبر ناقلات عملاقة بعد تحويل الغاز إلى سائل. هناك طريقان محتملان من أجل الوصول إلى الشرق الأقصى: الأول هو قناة السويس، والثاني هو ميناء إيلات السياحي الإسرائيلي على البحر الأحمر. إذا كانت قناة السويس هي الطريق الأكثر سهولة، فإنه من غير المستبعد أن تسعى إسرائيل إلى التحايل على هذا الطريق المصري بسبب عدم الاستقرار السياسي في مصر. يبقى معرفة فيما إذا كان ميناء إيلات الذي يعيش على السياحة بشكل أساسي، يمكن أن يُصبح أيضاً قاعدة لتصدير الغاز.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق