الصفحات

الأربعاء، ٣ نيسان ٢٠١٣

(مدافع وطائرات إلى المتمردين السوريين!)


صحيفة اللوموند 3 نيسان 2013 بقلم الأستاذ في معهد  العلوم السياسية في باريس جان بيير فيليو Jean-Pierre Filiu

     من يريد فهم البُعد الإنساني للمأساة السورية، يجب عليه إعادة قراءة رواية صدرت عام 1955 بعنوان: (تحية إلى كاتالونيا) لجورج أورويل (1903 ـ 1950). سيجد القارىء في هذه الرواية الثقة المفرطة للمدنيين بعدالة قضيتهم من أجل تسليح أنفسهم، والميليشيات التي تم تدريبها على عجل خلف المتاريس العشوائية، وكنوز الذكاء الشعبي لإعاشة العائلات الأكثر فقراً، والنزاعات بين مختلف الفصائل التي تتنازع السيطرة على جمهورية مهددة من كل حدب وصوب.
     قامت الصحافة برسم خطوط هذه المقارنة مع الحرب الإسبانية منذ شهر أيلول 2012، عندما قارن الصحفيون في حلب بين القصف المستمر لهذه المدينة بمدينة (غارنيكا) المعاصرة. كانت الافتتاحيات تُدين في صفحاتها الأولى "جريمة دولة غير مسبوقة". مرّ أكثر من ستة أشهر، ولم تتوقف الغارات الجوية ولا الحواجز المدفعية. الأسوأ من ذلك هو تحول القصف بصواريخ سكود إلى أمر عادي. فيما يتعلق بالاستخدام المؤكد للأسلحة الكيميائية من قبل نظام الأسد، فقد نفته القوى الغربية عندما رسمت ذلك الخط الأحمر. إنها ترفض الاعتراف بأنه تم تجاوز هذا الخط، وإن كان بشكل مُنظّم، دون أن يكون هناك إمكانية لنفي ذلك.
     كما حصل في الجمهورية الإسبانية، تعاني سورية الثورية من المشاركة الفاعلة بالحرب من قبل البعض، والسلبية المتواطئة للبعض الآخر. إن روسيا وإيران متورطتان في الجرائم التي ارتكبها النظام الدكتاتوري بحق السكان المدنيين، كما كانت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية تقفان إلى جانب أنصار فرانكو في إسبانيا. إن عدم تدخل الديموقراطيات الغربية عام 2011 كان قاتلاً بالنسبة للديموقراطيين في سورية، كما كان عليه الحال في إسبانيا عام 1936.
     فيما يتعلق بأنصار ستالين الذين أدانهم جورج أورويل في برشلونة منذ عام 1938، فإنهم لا يختلفون إطلاقاً عن جهاديي اليوم في سورية. إن تراتبيتهم الحازمة وانتظامهم الأعمى سمح لهم بالتعويض تدريجياً عن كونهم أقلية صغيرة جداً. إن الدعم المُطلق الذي حصلوا عليه من العراب الخارجي مثل الاتحاد السوفييتي في إسبانيا و"فاعلي الخير" من دول الخليج في سورية، وفّر لهم ميزة كبيرة على الأحزاب المحلية التي ينقصها الكثير من العتاد. إن مشروعهم الشمولي يعادل نفياً لتطلعات الشعب الإسباني إلى الحرية في الماضي وتطلعات الشعب السوري حالياً.
     بعد أكثر من سنتين من هذا الامتناع المُذنب، لم يتم التوصل إلى أي حل من أجل تجنب التصعيد المُرعب في سورية. إن إقامة سلطة ثورية على جزء من الأرض المحررة هو الأسلوب الوحيد لوقف هذا السباق نحو الهاوية. ولكن لن يتم "تحرير" شبر واحد من سورية، ما دامت طائرات الأسد ومدرعاته قادرة على القصف بدون عقاب. بهذا الشكل تظهر إشكالية تسليح الجيش السوري الحر بأسلحة مضادة للطائرات.
     فيما يتعلق بمسألة "الأيدي السيئة" التي يمكن أن تصل إليها الأسلحة، فقد برهن الوضع في مالي على أن السلاح الذي تم تسليمه إلى المتمردين الليبيين لم يصل إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. بالمقابل، استفاد الجهاديون في الصحراء الإفريقية بشكل كبير من ترسانات القذافي، كما استفاد الجهاديون من سورية من مخازن أسلحة الأسد.
     يعرف الباحث الجامعي أن هناك الكثير من المخاطر أثناء المقارنات التاريخية، وأنه يجب المقارنة بدقة صارمة. إن الاختلاف الكبير بين المأساة الإسبانية ومثيلتها السورية هو أن معسكر الدكتاتورية سيُهزم عاجلاً أم آجلاً. تكمن المصلحة الإستراتيجية لفرنسا وأوروبا في هذا الغموض الزمني: إن انتصار الجيش السوري الحر على المدى القصير سيسمح للتحالف الثوري بإعداد عملية انتقالية سياسية، في حين أن استمرار الاحتضار سيُشجع المغالاة الجهادية والتناقض الطائفي وزعزعة استقرار المنطقة.
     فرانسوا هولاند ليس ليون غلوم، لأن الثاني لم يُقدم إطلاقاً الوعود بتسليح الجمهورية الإسبانية، ولم يكن بحاجة إلى التراجع عن كلامه. ولكن باستطاعة الرئيس الحالي التأمل بما قاله فرانسوا ميتران أمام البرلمان الأوروبي عام 1989 بخصوص الانتفاضة الفلسطينية: "لا شيء يسمح باستمرار هذا القمع الذي أصبح الإنسان فيه طريدة، ونتنقل فيه دوماً بين المُعتدي والمُعتدى عليه، بين القاتل والمقتول". بعد ربع قرن من هذا الكلام، فشلت أوروبا مرة أخرى. يجب على فرنسا أن تتحمل مسؤولياتها أخيراً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق