الصفحات

الجمعة، ٥ نيسان ٢٠١٣

(سلام أوباما: مع نتنياهو!)


صحيفة اللوموند 4 نيسان 2013 بقلم مراسلها في إسرائيل لوران زوكيني Laurent Zecchini

     لا يجب التقليل من قيمة نجاح جولة باراك أوباما في إسرائيل وفلسطين: لقد نجح في صنع السلام مع... بنيامين نتنياهو. أما السلام مع الفلسطينيين فهو شيء آخر. أشار الكاتب الإسرائيلي المعروف في صحيفة إيديعوت أحرانوت ناحوم بارنيا Nahum Barnea إلى أن الرئيس الأمريكي لم يأت من أجل فتح صفحة جديدة في الدبلوماسية الأمريكية تجاه النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني القديم، بل من أجل إنهاء صفحة.
     يدعو ذلك إلى التشاؤم قليلاً: سيحاول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال الأشهر القادمة تجاوز كومة الرمل، كما فعل الذين سبقوه دون جدوى. لن يكون أمامه الكثير من الوقت: هناك الإنتخابات الأمريكية في شهر تشرين الثاني 2014، بالإضافة إلى سيف ديموقليس المُتمثل بالأزمة مع إيران. بما أن الإدارة الأمريكية ستكون مشغولة بهذه الانتخابات اعتباراً من نهاية عام 2013، فإن الآمال ضئيلة بإزالة العقبات أمام المفاوضات.
     يعرف البيت الأبيض أن 69 % من الأمريكيين يعتبرون أنه يقع على عاتق الإسرائيليين والفلسطينيين صنع السلام، وأنه لا يجب على الولايات المتحدة التدخل في ذلك كما فعلت خلال السنوات الأربعين الماضية عبر دور "الوسيط النزيه" (honest broker) الذي لم يحظ بالعرفان من قبل أي من الطرفين. إذا كان باراك أوباما قد توصل إلى هذه النتيجة، فإن السبب الأكبر في ذلك يعود إلى التحديات الأخرى الأكثر إلحاحاً، وليس إلى الفترة الإنعزالية الجديدة التي تعيشها الولايات المتحدة وسبق لها أن عاشتها غالباً خلال تاريخها.
     أصبح التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل ضرورياً في هذه التحديات، وينطبق ذلك على إيران وسورية ولبنان. هذا هو معنى الوساطة الأمريكية التي قامت بمصالحة حليفيها الإستراتيجيين الإسرائيلي والتركي. إذا كانت النتائج الإنسانية للأزمة السورية تُلقي بعبئها على الأردن وتركيا اللتين تستقبلان عشرات آلاف اللاجئين، فإن عواقبها العسكرية بدأت تظهر على الحدود مع لبنان وتركيا وفي الجولان الذي تُسيطر عليه إسرائيل.
     ربما تكون المرحلة القادمة غير قابلة للتحكّم بها. فيما يتعلق بسورية وإيران، يجب على باراك أوباما أن يثق ببنيامين نتنياهو. هل تم استبعاد الضربات العسكرية الإسرائيلية الوقائية ضد المواقع النووية الإيرانية؟ بالتأكيد، لم يتم استبعادها. ولكن السيد نتنياهو قدّم تنازلين: يبدو أنه توصل إلى أن السيد أوباما لن يتردد باستخدام القوة في حال استنفاذ أسلوب دبلوماسية العقوبات، كما وافق على الإلتزام بالعد التنازلي الأمريكي الذي ينتهي بعد عام تقريباً.
     فيما يتعلق بالفلسطينيين، كانوا مُجبرين على الاكتفاء بكلمة السيد أوباما المليئة بالتعاطف مع المعاناة التاريخية للشعب اليهودي ومع المعاناة الحالية للشعب الفلسطيني، ولكن كلمته كانت خالية من أي اقتراح سياسي. إن القوة المُحرّكة الوحيدة في هذا النزاع هي عملية استيطان الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن المعروف أن استمرار الوضع القائم يؤدي إلى تراجع امكانية الحل القائم على أساس دولتين. إن إلزام الجيل الشاب الإسرائيلي بـ "دفع" قادته نحو السلام، لا يمكن أن يكون بديلاً عن الإرادة السياسية الأمريكية باستخدام تأثيرها ووسائل نفوذها من أجل المطالبة بالتنازلات.
     من الممكن فهم اختيار السيد أوباما بعدم إلقاء كلمته أمام البرلمان الإسرائيلي الذي يُسيطر عليه "لوبي المستوطنين" الذين يُسيطرون أيضاً على حكومة السيد نتنياهو. كما يمكن فهم اكتفاءه بوصف سياسة الاستيطان بأنها "تُعطي نتائج معاكسة" مُتجنباً أية إشارة إلى حدود عام 1967 كأساس لأراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية. لقد قام بهذا الخيار لكي لا يُخاطر بالتعرّض للاحتجاج داخل البرلمان الإسرائيلي. لم يكن نداؤه لجيل الشباب الإسرائيلي إلا بالون اختبار: إذا كان هذا الجيل قادراً على التحرك، فسوف نراه في تل أبيب وحيفا والقدس!.
     إذاً، لم تتقدم عملية المفاوضات مع الإسرائيليين قيد أنملة مع زيارة السيد أوباما. ولكن كان يجب تجنب خطر تصاعد التذمّر الاجتماعي والسياسي في الضفة الغربية. يمكن الإشارة هنا إلى تزامن الإعلان بإزالة العراقيل أمام المساعدة الأمريكية البالغة نصف مليار دولار إلى الفلسطينيين، مع قرار حكومة السيد نتنياهو برفع العقوبات المالية عن السلطة الفلسطينية.
     أعلنت الدول المانحة للفلسطينيين مؤخراً عن اتخاذ تعهدات طموحة، وأعلنت بعض الدول العربية عن إنشاء صندوق مالي مُذهل من أجل القدس بمبلغ مليار دولار. يجب أن نلاحظ هنا أن العديد من الدول في المجتمع الدولي أصبحت تتبنى الإستراتيجية الإسرائيلية بـ "السلام الاقتصادي". قامت هذه الإستراتيجية بالدور الذي حدّده لها السيد نتنياهو وهو: تخدير البوادر الأولى لتمرد "الشارع" الفلسطيني عبر الاستفادة من النمو الاقتصادي.
     إلى متى؟ إن قلّة نادرة من الإسرائيليين تعرف مدى خيبة الأمل في الأراضي الفلسطينية. في اليوم  الذي سيصبح فيه الحل القائم على أساس الدولتين غير ممكن بسبب سياسة الاستيطان المُفرطة، وهو يوم غير بعيد، من الممكن جداً أن يتخلى الفلسطينيون عن هدف التقسيم، ويطالبون بالمساواة في الحقوق في دولة ثنائية القومية. بما أنه من غير المحتمل تحقيق مثل هذه الأمنية، فإن إسرائيل تُخاطر بالتخلي نهائياً عن طموحها المزدوج بأن تكون دولة "يهودية" و"ديموقراطية" في آن معاً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق