الصفحات

الاثنين، ١٤ كانون الثاني ٢٠١٣

("الربيع العربي" يهز الأردن)


صحيفة اللوموند 14/1/2013  بقلم مراسلها الخاص في عمّان لوران زوكيني Laurent Zecchini

     سيقوم الأردنيون بانتخاب برلمان جديد بتاريخ 23 كانون الثاني بعد سنتين وشهرين من الانتخابات التشريعية السابقة التي جرت في شهر تشرين الثاني 2010. لقد قررت جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي للإخوان المسلمين، مقاطعة هذه الانتخابات مرة أخرى. إن الفرق الوحيد بين هذين الانتخابين هو أن انتخابات عام 2013 تأتي في سياق حركة احتجاج سياسية واجتماعية غير مسبوقة، وقد انتشرت هذه الحركة في سياق "الربيع العربي" الذي لم ينجح الملك عبد الله الثاني باخماده.
     هل ستؤدي الانتخابات الجديدة إلى استئناف الإصلاحات؟ إنه احتمال ضعيف نظراً للاختلاف العميق بين وجهات نظر العاهل الهاشمي والأحزاب السياسية الأردنية. يعتبر الملك الأردني أن هذه الانتخابات ستُشكل "مرحلة أساسية في عملية الإصلاحات وخطوة نحو العملية الانتقالية". ولكي يُبرهن على رغبته الإصلاحية، قام بتعيين رئيس حكومة جديد هو وزير الخارجية السابق عبد الله النسور في شهر تشرين الأول 2012. ولكن المشكلة تكمن في أنه رئيس الحكومة الخامس منذ بداية عام 2011.
     إن السبب في عدم نجاح إستراتيجية "الخرطوشة السياسية" المُتمثلة بتغيير رئيس الحكومة، هو أنها لم تترافق مع إصلاحات سياسية جوهرية. إن التعديل البسيط في القانون الانتخابي عبر إنشاء قائمة انتخابية وطنية إضافية تضم 27 معقداً وفق مبدأ التمثيل النسبي، لم يرافقه إعادة نظر جذرية بالنظام الانتخابي الذي تم تصميمه للمحافظة على سيطرة المناطق القبلية والريفية التي تُمثل معقل سكان الأردن الأصليين، وذلك على حساب المدن الكبيرة مثل عمّان وأربد التي يتركّز فيها الأردنيون من أصل فلسطيني.
     وصل "الفلسطينيون" إلى المملكة عبر موجات متعاقبة منذ إقامة دولة إسرائيل عام 1948، وهم يمثلون أغلبية واضحة في الأردن (أكثر من 60 % بدون شك). ولكن القصر الملكي يُنكر هذه الحقيقة السكانية نظراً لأنها قادرة على زعزعة استقرار الأردن. إن الملك غير مستعد للمجازفة ببرلمان يتم انتخابه وفق مبدأ التمثيل النسبي، كما لن يتخلى عن دستور يسمح له بحل الحكومة عبر مرسوم ملكي.
     هل يستطيع الملك مقاومة الاحتجاج السياسي والاجتماعي؟ إذا كان "الربيع الأردني" الذي ظهر عبر مظاهرات متكررة، لم يسلك الطريق الذي أدى إلى سقوط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فإن السبب في ذلك كما يقول ويُكرر الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي حمزة منصور هو أن المعارضة الإسلامية تريد "الإصلاح وليس سقوط النظام"، حتى ولو أدى ذلك إلى ظهورها كـ "معارضة جلالة الملك". يندرج هذا الموقف في سياق التاريخ السياسي للمملكة الهاشمية: إن الإخوان المسلمين، بعكس السلفيين، يؤيدون الحكم الملكي، ويريدون الوصول إلى السلطة عبر الوسائل القانونية. إنهم جزء من النظام السياسي الأردني منذ نهاية الأربعينيات، ودخلوا البرلمان عدة مرات، وشاركوا بالحكومة. يراهن الملك عبد الله الثاني على حكمة الإسلاميين الذين يعرفون حقيقة التوازن السياسي والإثني الهش في المملكة، وأن الملك هو ضمان هذه المملكة من هذه الزاوية.
     يأتي الخطر على الملك عبد الله الثاني من تراكم الأزمات. بالإضافة إلى الاحتجاج السياسي، هناك الأزمة المالية التي أدت إلى إجراءات تقشفية التي أدت بدورها إلى احتجاجات اجتماعية كبيرة. قام القصر الملكي في شهر تشرين الثاني بإلغاء سلسلة من الإعانات الاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى  ارتفاع سعر الغاز بنسبة 53 % وسعر البنزين بنسب 12 %. بما أن التقشف يُصيب الجميع، فقد انتشرت المظاهرات في معاقل القبائل بمدن الطفيلة والكرك ومعان.
      أصبحت شخصية الملك موضع مُساءلة، ولا يتردد بعض المتظاهرين (ما زالوا أقلية) في المطالبة برحيله. إذا كانت قاعدة الاحتجاجات إسلامية، فقد انتشرت أيضاً داخل القبائل ولاسيما عبر حركة "الضباط المتقاعدين" الذين يشعرون بالقلق من من تدهور قوتهم الشرائية والتراجع (النسبي) لامتيازاتهم (يتكون الجيش من القبائل) والتهديد الذي يتمثل برأيهم في السلطة الاقتصادية للأردنيين من أصل فلسطيني.
     لقد بقي التحرك الشعبي في الشارع ضمن إطار معتدل، ووصل إلى جميع طبقات المجتمع. يدل على ذلك الجبهة الوطنية من أجل الإصلاح التي تضم جميع حركات المعارضة برئاسة أحمد عبيدات الذي كان رئيساً للحكومة  في عهد الملك حسين. ولكن يبدو أن الملك عبد الله الثاني ما زال يملك جداراً واقياً هو أن القبائل، رغم مطالبها، لا تريد الانجرار وراء حركة إسلامية ربما تؤدي إلى زعزعة النظام الملكي.
     هل يستطيع الإخوان المسلمون فرض جدول أعمالهم؟ إن ذلك غير مؤكد في الظروف الحالية، ولن تُغيّر الانتخابات القادمة شيئاً كثيراً في التوازن بين القوى السياسية. يعاني الإخوان من كوابح سياسية داخلية: إنهم يستفيدون من الاحتجاج الاجتماعي، ويراهنون في الوقت نفسه على صدمة إيجابية قادمة من .... سورية. إنهم يشاركون الديوان الملكي في قلقه من سقوط الرئيس بشار الأسد الذي سيخلق عدة صدمات سياسية في سورية و المنطقة، الأمر الذي سيُزعزع العاهل الهاشمي، وستُجبره على أن يكون أكثر تقبلاً لمطالب الإخوان في الأردن.
     أصبحت المسألة السورية تُخيّم على الأردن لسببين. تستقبل المملكة على أراضيها حوالي 250.000 لاجىء سورية، ويُلقي هذا الوجود بعبئه على الموازنة العامة الأردنية. تتصف علاقات الأردن مع حكومة دمشق بأنها بالغة الحساسية، وقد حرصت عمّان على عدم التعرّض للاتهام بأنها تدعم المتمردين السوريين، ولاسيما عبر تحويلها إلى ممر لعبور المساعدات العسكرية.
     يبدو أن دمشق قَبِلت ضمانات عمّان التي تقول بأن المملكة ستكتفي بدور إنساني. لهذا السبب، أظهرت الحكومة الأردنية موقفاً متشدداً تجاه المجموعات الأردنية المُقرّبة من التيارات السلفية الجهادية التي تحاول الانضمام إلى التمرد السوري أو حتى جلب التمرد المسلح إلى المملكة.
     هل الصعوبات الاقتصادية في الأردن هي صعوبات بُنيوية؟ نعم. تُمثل الصحراء 92 % من الأراضي الأردنية، وهو رابع أفقر دولة في العالم بالمصادر المائية، ويستورد 96 % من احتياجاته للطاقة. لا يوجد فيه مصادر ثروة باطنية يمكن استثمارها بسرعة، حتى ولو كان يملك احتياطات يورانيوم هامة. تقوم مصر بتزويد  80 % من الغاز الذي يحتاجه الأردن لانتاج الكهرباء، ولكن قبائل البدو في سيناء قامت بتخريب خط الأنابيب المصري 15 مرة منذ شهر شباط 2011.
     على المدى الطويل، إن المملكة مُصممة على امتلاك الطاقة النووية. ولكن مشروع المفاعل النووي يواجه صعوبة في تنفيذه لعدة أسباب: كان من المفترض بناء المفاعل بالقرب من العقبة (مفاعل نووي بطاقة ألف ميغاواط لتلبية 30 % من احتياجات المملكة للطاقة الطهربائية بحلول عام 2020)، ولكن المشروع انتقل إلى جنوب مدينة المفرق بالقرب من الحدود السورية. لا أحد يعترض على أن الأردن بحاجة إلى مصدر طاقة مُستخرج من باطن الأرض من أجل تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية وتحلية مياه البحر. ولكن فيما يتعلق بالطاقة النووية، لم يتم التوصل إلى الحلول المتعلقة بمواجهة المشاكل الفنية والبيئية. هناك أيضاً جوانب دبلوماسية هامة، إن الأردنيين مُقتنعون بأن إسرائيل والولايات المتحدة تقومان بتخريب مصداقية المشروع بشكل سرّي. أخيراً، تُقدّر كلفة المفاعل النووي الأول ما بين 5 و7 مليارات دولار، وهو مبلغ هائل بالنسبة لبلد يواجه صعوبات اقتصادية بُنيوية.
     تجاوز عجز الموازنة الأردني 3.5 مليار دولار في نهاية عام 2012، أي 40 % من موازنة الدولة وأكثر من 10 % من إجمالي الناتج المحلي (PIB). تزداد ديون الدولة 19 % سنوياً، وأصبحت تمثل 72 % من إجمالي الناتج المحلي. إن فرصة الأردن هي الاعتماد على مساعدة خارجية قوية، ولاسيما من قبل الولايات المتحدة والسعودية اللتان لا تريدان المخاطرة بزعزعة استقرار المملكة الهاشمية، لأن تأثيره قد ينتقل إلى الممالك النفطية في الخليج العربي ـ الفارسي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق