الصفحات

الأحد، ٦ كانون الثاني ٢٠١٣

(النص الكامل للمقابلة مع روبيرت كاغان)


صحيفة الفيغارو 4/1/2013. مقابلة مع روبيرت كاغان Robert Kagan، أجرى المقابلة لور ماندفيل Laure Mandeville

     روبيرت كاغان هو أحد رموز التفكير الإستراتيجي لليمين الأمريكي، وكان أحد مستشاري ميت رومني خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة، كما شارك في الحوارات حول السياسة الخارجية لإدارة أوباما حول الربيع العربي.
سؤال: ما هي العِبر التي تستخلصونها من إعادة انتخاب باراك أوباما؟
روبيرت كاغان: لعب باراك أوباما على وتر حساس لدى الشعب، وهو إبراز قضية إعادة بناء الأمة. ولكنه في الوقت نفسه، راقب وتيرة الحملة الانتخابية الأمريكية، وبرهن للناس أنه قادر على أن يكون "قاتلاً" فعالاً عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن المصالح الحيوية للولايات المتحدة: فقد قام بتصفية بن لادن. إن قيامه بالتأكيد على "مواهبه كقاتل"، يُعزز فرضيتي حول طبيعة الأمريكيين التي لا تتغير: إنهم يريدون معرفة فيما إذا كان رئيسهم قادر على القتل. لم تترك هذه المقاربة المزدوجة إلا فسحة ضيقة أمام رومني لكي يضع برنامجاً مُبتكراً لسياسته الخارجية. ولكن على الرغم من ذلك، قام الرئيس بتجميد القضايا الدولية خلال عام كامل. لم يحصل أي شيء! عندما أزور الدول الأخرى، أشعر بالدهشة من نظرة الأخرين التي تُلاحظ أن الولايات المتحدة غائبة وليس في حالة انحطاط. قيل لي أنه بمجرد انتهاء مفاوضات الموازنة، ينوي الرئيس أن يكون أكثر نشاطاً على الجبهة الخارجية. أعتقد أن الأمريكيين سيدعمونه إذا كان أكثر تحركاً. بالنسبة لي، إن فكرة الولايات المتحدة التي ترفض التحرك، هي أسطورة.
سؤال: يقول الكثيرون أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على أن تكون شرطي العالم...
روبيرت كاغان: عندما بدأت قبل عام بإلقاء محاضرات حول مسألة الانحطاط  المفترض للولايات المتحدة، كان هذا التشخيص متداولاً بكثرة، ولكنني لا أتفق مع هذا التشخيص. لقد أثار موقفي جدلاً كبيراً، ولكنه أصبح اليوم أقل إثارة للجدل. لا تبدو الصين أكثر قوة، ومسارها ليس واضحاً بما فيه الكفاية. تتحدث مجلة الشؤون الخارجية Foreign Affairs عن احتمال انهيار الدول الصاعدة حديثاً. أعتقد أن الناس يُلاحظون، بالمقارنة، أن حالة الولايات المتحدة ليست سيئة جداً بشرط التوصل إلى تسوية حول الموازنة. فيما يتعلق بأولويات السياسة الخارجية الأمريكية، فإن الموضوع يدفعني للضحك. لم يسبق لنا أن تحدثنا عن الشرق الأوسط بهذه الغزارة، في الوقت الذي لا يتوقف فيه البيت الأبيض عن الحديث عن "التوجه نحو آسيا". إن الرمز المُعبّر جداً عن التناقض الذي وضعتنا الحقيقة أمامه، هو الزيارة الأخيرة التي قام بها باراك أوباما وهيلاري كلينتون إلى آسيا. لقد أمضيا وقتهما بالحديث عن غزة. كما اضطرات هيلاري كلينتون إلى قطع زيارتها للذهاب إلى الشرق الأوسط! إن فكرة أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون قادرة على الاختيار بين المناطق وتحديد أولويات، هي فكرة خاطئة. ليس لدينا مثل هذا الخيار.
سؤال: يُحب بعض المحللين مقارنة السياسة الخارجية الأمريكية بإدارة المخزون. إنهم يؤكدون بأن العائد الاستثماري ليس مُقنعاً جداً في الشرق الأوسط أو في أوروبا. ما هو رأيكم؟
روبيرت كاغان: لا يمكن أن نضع على قدم المساواة كل من المال والإستراتيجيا. إن نتائج الربيع العربي، لن تؤثر فقط على الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، بل على جميع الدول الإسلامية في العالم وعلى الإسلام في أوروبا. ما زال النفط يخرج من الخليج الفارسي. باختصار، يجب علينا الاستمرار بالقيام بدورنا في المنطقة.
سؤال: أي دور؟ أدى الربيع العربي إلى إضعاف المواقف الأمريكية، ولم تُحل مسألة الملف النووي الإيراني، والوضع يتدهور في مصر، والحرب الأهلية في أوجها بسورية...
روبيرت كاغان: لم تُحل المسألة الإيرانية، ولكن هذا هو الحال منذ خمسة وعشرين عاماً! ولم نستطع القيام بشيء حتى في المرحلة التي يُفترض بأننا كنا فيها أكبر قوة عظمى. فيما يتعلق بمصر؟ لا أستطيع القول بأن هذا البلد قد انحرف عن مساره في الوقت الحالي، وما زلت ميّالاً إلى التفاؤل. لقد بالغ الرئيس مرسي بالاستفادة من تفوقه، ولكن النتيجة هو ظهور نوع من الحوار الوطني الذي ما زالت نتائجه غير واضحة. هل الولايات المتحدة في وضع إستراتيجي سيء مع مرسي بالمقارنة مع مبارك؟ لست متأكداً. قام مرسي مؤخراً بدور بنّاء في غزة لإيقاف تصاعد العنف.
سؤال: ألم يقم مرسي باستخدام أزمة غزة للإدعاء داخل بلده بأنه يملك سلطة كبيرة، الأمر الذي يبدو أنه يقود مباشرة نحو دولة إسلامية؟
روبيرت كاغان: بالنسبة للولايات المتحدة، إن قيام دولة علمانية وديموقراطية سيكون الخيار المُفضّل. ولكنني لست مستعداً للقول بأننا نواجه هزيمة إستراتيجية في هذا البلد.
سؤال: هل يُفكّر البيت الأبيض مثلكم؟
روبيرت كاغان: أعتقد بأنه يُفكّر مثلي، ولكن المشكلة في البيت الأبيض أنه لا يُعير اهتماماً لما يجري هناك! كان بطيئاً جداً في إدراك ما يجري في مصر. نحن لم نطرد مبارك، بل هو الذي ارتكب انتحاراً سياسياً، ونجحنا فقط بألا نغرق معه! عندما بدأ الربيع العربي في تونس ومصر، قلنا أننا سنجعل هذا الموضوع أولوية. ولكننا لم نفعل شيئاً. إن عدم قدرتي على أن أقول لكم من يُتابع الملف المصري في البيت الأبيض، يعني أشياء كثيرة ... فيما يتعلق بسورية، إن الموقف السلبي المُتعمّد لأوباما يدعو للاستغراب. إنها ليست مشكلة وسائل عسكرية، لأن الولايات المتحدة وبقية الدول الكبرى مثل فرنسا لديهم الإمكانيات العسكرية. لا أعتقد بأن الأسد سيبقى يوماً واحداً في حال فرض منطقة حظر جوي، لأن قواته الجوية ستنشق، وسيؤدي ذلك إلى تغيير موقف الجيش. إن ما ينقصنا هو الإرادة السياسية لهذه الإدارة الأمريكية.
سؤال: هناك خوف كبير من مرحلة ما بعد الأسد، أليس كذلك؟
روبيرت كاغان: لقد مضى عام كامل على استخدام هذه الذريعة من أجل عدم التحرك. ولكن الأسد سيسقط، وسيُصبح الجهاديون أكثر قوة، وسيتفاقم النزاع بين السنة والشيعة. بالنسبة لي، لو أننا تحركنا قبل ستة أشهر، لما أصبحت الأمور بهذه الخطورة حالياً. وإذا تحركنا الآن، فلن يكون الوضع أكثر خطورة بعد ستة أشهر.
سؤال: هل الجمود هو علامة على أمة أمريكية مُتعبة بعد عشر سنوات في أفغانستان والعراق؟
روبيرت كاغان: يمشي أوباما مع هذا الشعور، ولكن، بصراحة، إن ذلك ليس جديداً أبداً. يُذكرني ذلك تماماً بما حصل في البلقان. لقد انتظرنا عدة سنوات قبل التدخل هناك. كانت الولايات المتحدة مُتعبة من حرب الخليج الأولى، ومتأثرة بصدمة الهزيمة في الصومال. لم يكن كلينتون يريد القيام بأي شيء، ثم اتخذ قراره بالتدخل. إن ذلك ليس جديداً.
سؤال: ولكن هناك تيار انعزالي حقيقي يبرز في الولايات المتحدة، وحتى داخل الحزب الجمهوري؟
روبيرت كاغان: إن هذا التيار ليس بهذه القوة التي تعتقدونها. لقد حصل الشيء نفسه خلال التسعينيات عندما قام الجمهوريون بالتصويت ضد التدخل في كوسوفو. إذا نظرتم إلى التاريخ الأمريكي، هناك أمر ثابت وحقيقي: في البداية، لا تريد الولايات المتحدة التدخل، ثم تتدخل في النهاية. هذه هي الوتيرة الطبيعية للسياسة الخارجية الأمريكية.
سؤال: إذاً، بالنسبة لكم، ما زالت الولايات المتحدة تؤيد الخيار العسكري، وهذا ما تؤكدونه في كتاباتكم؟
روبيرت كاغان: بالتأكيد. سترون ذلك عام 2013. لا أحد يعرف ماذا سيحصل في إيران. حتى ولو سألتيني فيما إذا كان أوباما سيستخدم القوة، فسأرد بأن ذلك ممكن جداً. كما لا أستبعد عملاً في سورية. لقد سبق لنا أن رأينا هذا الفيلم. إن الولايات المتحدة تتحرك وفق مراحل دورية. لقد خرجنا من العراق وأفغانستان، وبالتالي، نحن في أسفل الموجة. ولكن بشكل عام، فإن هذه الموجة تصعد بشكل فوري. أعتقد أنه سيكون هناك تدخل أمريكي خلال سنتين أو ثلاثة.
سؤال: هل يمكن برأيكم تجنب الخيار العسكري في إيران؟
روبيرت كاغان: لم يترك أوباما لنفسه الكثير من الخيارات عندما أكد بأنه سيمنع طهران من امتلاك السلاح النووي. أعتقد بأنه ينوي ذلك. إن الرهان الوحيد الممكن حالياً بالنسبة لإدارة أوباما هو أن تقول للإيرانيين بأن الرئيس سيُنفذ تهديده لكي يُقنع القادة الإيرانيين بقبول تسوية. ليست هناك أية ضمانة بأن يكون جوابهم إيجابياً، ولكن أملنا الوحيد يكمن في خوفهم من ضربة عسكرية تحرمهم من السلطة.
سؤال: هل تراهنون على ضربات أمريكية في إيران خلال الأشهر القادمة؟
روبيرت كاغان: إن تنفيذها خلال  12 أو 18 شهراً، رهان معقول.
سؤال: إن فكرة "الأثر الخفيف" ترتكز على الطائرات بدون طيار والعمليات الخاصة من أجل تجنب حرب بلا نهاية، وتُعتبر هذه الفكرة محور رؤية أوباما. ما هو رأيكم؟
روبيرت كاغان: إن جميع الرؤساء هم من أنصار "الأثر الخفيف" عند وصولهم، ثم تقع بعض الأحداث، ويجب التحرك حينها. إذا كان يجب على أوباما التدخل في إيران، هل سنتحدث حينذاك عن "الأثر الخفيف"؟ لا نعرف ماذا سيحصل خلال الولاية الثانية. يتعثر الرؤساء عادة عند مواجهة الأحداث، ثم يجدون تفسيراً لما حصل فيما بعد. أعتقد أن الرئيس ما زال مرناً حول السياسة الخارجية. انظروا إلى كلينتون: كان خائفاً جداً في البداية، ثم أصبح فعالاً جداً في الولاية الثانية. هناك ميل للمبالغة بإلصاق عقيدة محددة على الرئيس، في حين أن هناك استمرارية واضحة من رئيس إلى آخر. إن السياسة الخارجية الأمريكية تتفاعل مع الأحداث، وليست ذات عقيدة جامدة.
سؤال: هل يجب الحديث عن ضعف الغرب؟
روبيرت كاغان: يتحدث الأوروبيون دوماً عن اختفاء الغرب. إنهم مُكتئبون جداً لدرجة أن كل شيء يبدو لهم أسود اللون. إن نظرة الأوروبيين الضيقة للغرب تنسى الهند والبرازيل ودول كثيرة ... إن ما يحصل في أوروبا مشكلة كبيرة، ولكن الولايات المتحدة لديها أصدقاء آخرين بصحة جيدة وتعمل معهم. أكثر من ذلك، أنا لست متشائماً جداً بمصير أوروبا التي ما زالت اقتصاداً شاملاً وكبيراً ويتمتع بثقل أخلاقي. أتاسف من أن قلق الأمريكيين والأوروبيين يمنعهم من العمل سوية. أعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة أن تعمل أكثر من الفرنسيين الذين أظهروا وما زالوا يُظهرون إلتزاماً كبيراً في ليبيا وسورية.
سؤال: فرنسا لديها طموحات، ولكن هل تملك الوسائل لتحقيقها؟
روبيرت كاغان: لا أحد يطلب من فرنسا أن تكون في طليعة التدخل العسكري. ولكن إرادة الفرنسيين باتخاذ مبادرات دبلوماسية، أمر إيجابي. لدي نظرية جديدة: إذا كان الفرنسيون مستعدين للتدخل، فهذا يعني أنه يجب التدخل.
سؤال: أنتم متفائلون جداً. هل يمكن أن تفقد الولايات المتحدة موقعها كقوة مُهيمنة بسبب مشاكلها الداخلية؟
روبيرت كاغان: تنبأ البعض في عام 1979 أن الاتحاد السوفييتي سيتجاوزنا. الآن، هناك الصين. ولكن إذا طلبتم مني المراهنة على الدولة التي ستُهيمن بعد عشرين عاماً، سأختار الولايات المتحدة!
سؤال: من الممكن أن يكون هناك عالم بدون قطب، عالم تسوده الفوضى دون بروز أي قطب؟
روبيرت كاغان: هذا ممكن من الناحية النظرية، ولكنه غير مُحتمل برأيي. لكي يتحقق ذلك، يجب أن تتغير الولايات المتحدة كثيراً، ولا أرى أن ذلك سيتحقق. ولكن أعتقد أن هناك ميل للمبالغة بهيمنة الولايات المتحدة. إذا أخذت بعين الاعتبار العقود الستة الأخيرة من القرن العشرين، يمكنني أن أذكر لكم في كل مرة العديد من الأخطاء الإستراتيجية للولايات المتحدة. عندما كنا مُعتبرين أكبر قوة عظمى في العالم بعد الحرب الباردة، كنا غير فعالين في عدة أماكن بالعالم مثل: رواندا والسلام الإسرائيلي ـ العربي ... لنكن واضحين: بعد كل صعود، هناك هبوط. ولكن لا أعتقد بأننا وصلنا إلى هذه المرحلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق