الصفحات

الجمعة، ٤ كانون الثاني ٢٠١٣

(الفلسطينيون في سورية منقسمون بسبب المعارك)


صحيفة اللوموند 4/1/2013  بقلم مراسلها في بيروت خالد سيد مهند Khaled Sid Mohand

     احتفل مخيم اليرموك في جنوب دمشق بقدوم العام الجديد تحت وابل من قذائف الهاون. يتعرض هذا المخيم الذي يتحصن فيه المتمردون إلى حصار من قبل القوات النظامية لنظام بشار الأسد، ويتفاقم الوضع الأمني والإنساني فيه يوماً بعد يوم.
     لا يصل الطعام والأدوية إلى اللاجئين إلا بفضل جرأة بعض الناشطين الذين استطاعوا الإفلات من قناصي الجيش المتمركزين في عدة مناطق إستراتيجية داخل المخيم. كان رصاص هؤلاء القناصين السبب في مقتل حوالي خمسين شخصاً حسب الشهادات المأخوذة من السكان.
     اقتصرت المعارك لفترة طويلة على محيط مخيم اليرموك، ولكنها وصلت إلى داخله بعد أن استهدفته طائرة مقاتلة بتاريخ 16 كانون الأول. لقد أدت المعارك الكثيفة بين المتمردين والقوات النظامية إلى إجبار عشرات آلاف العائلات إلى الهجرة.
     أشار بعض الناشطين الفلسطينيين المعارضين لدمشق إلى أن مقاتلي الجيش السوري الحر هم الذين بدؤوا الاعتداء على "اللجان الشعبية"، وهي ميليشيا مُسلحة ومُمولة من قبل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القاعدة العامة التابعة لأحمد جبريل. إن هذه الميليشيا المؤيدة للنظام، ربما قامت بتقديم مساعدة كبيرة للقوات النظامية أثناء المعارك ضد المعارضين في محيط المخيم. لقد تعرضت الجبهة الشعبية وميليشيتها لهجوم المتمردين، واضطرتا للانسحاب بعد تعرضهما لخسائر فادحة بالإضافة إلى حصول العديد من الانشقاقات في صفوفهما.
     انعقد  اجتماع بين الفلسطينيين في السفارة الفلسطينية بدمشق بتاريخ 18 كانون الأول في محاولة للعودة إلى الوضع القائم قبل المعارك. على الرغم من ذلك، لم تشارك في هذا الاجتماع الفصائل الثلاثة التي اتخذت مواقف علنية من النزاع السوري: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة وحزب  البعث الفلسطيني ـ الصاعقة، وهما حليفان هامان للنظام السوري، بالإضافة إلى حماس التي ابتعدت تدريجياً عن الرئيس الأسد، قبل أن تدعم المتمردين رسمياً.
     فيما يتعلق بالفصائل الفلسطينية الأخرى مثل الجهاد الإسلامي وفتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فقد أكدت حيادها تجاه النزاع وطلبت انسحاب الجيش السوري الحر والجيش الحكومي من مخيم اليرموك. لم يحظ هذا الطلب حتى الآن بالرد من قبل الأطراف المشاركة في المعارك، ويدل على ذلك عنف المواجهات الجارية حالياً.
     لقد فشل الموقف الحيادي للمنظمات الفلسطينية منذ الأسابيع الأولى للتمرد السوري. إذا كان مخيم اليرموك لم يعرف مظاهرات كبيرة ضد النظام، فإن العديد من شباب المخيم انضموا إلى حركات الاحتجاج المنظمة حول دمشق.
     اعتبرت صحيفة الوطن المُقربة من السلطة، قبل وصول حركة الاحتجاج إلى ضواحي العاصمة، أن الفلسطينيين هم كبش الفداء للتمرد في مدينة درعا، وأنهم كانوا السبب في اندلاع  التمرد السوري. كما اتهمتهم الصحيفة بأنهم أحرقوا بتاريخ 21 آذار 2011 قصر العدل في درعا الذي يقع على مسافة 200 متر من مخيم اللاجئين الفلسطينيين في هذه المدينة. إذا كان وجود الفلسطينيين مؤكداً بين المتمردين، فإن الصحافة الرسمية بالغت كثيراً في عددهم. وفي تاريخ 26 آذار 2011، أدانت بثينة شعبان، المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس بشار الأسد، بدورها خلال مؤتمر صحفي "مشروع مؤامرة" مدبرة من قبل الفلسطينيين. ولكن قادة المنظمات الفلسطينية نفوا هذه الادعاءات.
     قامت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة في شهر حزيران 2011 بتنظيم مظاهرة على حدود الجولان الذي تحتله إسرائيل منذ عام 1967، ولكن هذه المظاهرة أساءت إلى شعبية النظام لدى الفلسطينيين. لقد سقطت 18 ضحية برصاص حرس الحدود الإسرائيليين، الأمر الذي أثار غضب عائلاتهم الذي اعتبروا هذه المظاهرة مناورة من النظام لتحويل الأنظار. لقد كانت جنازاتهم مسرحاً لمواجهات عنيفة بين الشباب الفلسطينيين المُسلحين بالحجارة ورجال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة المسلحين بالبنادق. أدت هذه المواجهات إلى مقتل خمسة أشخاص، منهم مسؤولين اثنين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة.
     قال أحد سكان مخيم اليرموك الذي كان شاهداً ومشاركاً في هذه المظاهرة: "أدت هذه الأحداث إلى تغيير موقف أغلبية الفلسطينيين وانضمامهم إلى معسكر المعارضة". ولكنه أضاف بأن بشار الأسد ما زال لديه مؤيدين بين الفلسطينيين، وفي مقدمتهم والديه اللذان ما زالا متمسكين بنظام الرئيس السوري على الرغم من عدائهم للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة، ويعتبر والديه أن الرئيس السوري يُجسد جبهة الرفض ضد إسرائيل، وهذا "ما أظهره  الدعم المطلق لمنظمات المقاومة مثل حزب الله والجهاد الإسلامي". ما زال هذا الرأي يُمثل أغلبية الفلسطينيين حتى اليوم، ويؤكد أنصار نظام الأسد أنه باستثناء حق التصويت الذي لا فائدة منه، فإن سورية هي البلد الوحيد في المنطقة الذي أعطى الفلسطينيين المساواة الكاملة في الحقوق.
     يشعر صلاح صالح، ممثل اللاجئين الفلسطينيين في بيروت لدى المجلس الوطني الفلسطيني، بالأسف، وقال: "نحن ندفع دوماً ثمن التغيرات الإقليمية الكبيرة سواء في العراق أو الكويت أو ليبيا أو في دول أخرى. أخشى أن سورية لن تكون استثناء عن هذه القاعدة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق