الصفحات

الاثنين، ١١ آذار ٢٠١٣

(حلب، الخطوات الأولى لما بعد بشار)


صحيفة اللوموند 10 آذار 2013 بقلم مراسلتها الخاصة في حلب فلورانس أوبنا Florence Aubenas

     بدأ الحديث في حلب منذ حوالي ثلاثة أشهر عن أنه يمكن لأي شخص يواجه أي مشكلة أن يتوجه إلى "لجنة تشجيع أعمال البر ودعم المضطهدين" الموجودة في شمال المدينة. تتألف اللجنة من ممثلين عن الجيش السوري الحر، وتعمل طوال الأسبوع "للحكم بالقانون والعدل". هناك الكثير من السكان الذين يلجؤون إليها يومياً. قال (أبو مصطفى): "لقد أصبحت هذه اللجنة من أكثر الأماكن شعبية في المدينة، ويريد الجميع المشاركة فيها". إنها تشبه المحكمة ولكنها ليست محكمة حقاً، كما أنها ليست خدمة اجتماعية أيضاً، وليست هيئة سياسية، ولكن الطابع الديني يطغى عليها بشكل كبير. يأتي الجميع إلى هذا المكان لكي يتفحص بتمعن ماذا ستصبح سورية في حال سقوط بشار الأسد.
     لقد هرب موظفو نظام دمشق من شمال سورية مثل المعلمين والأطباء والقضاة والشرطة والموظفين الإداريين بعد تقدم الجيش السوري الحر. قال أحد أعضاء اللجنة أحمد الرحمي Ahmed Al-Rhami: "انتقلنا من نظام دكتاتوري إلى لا شيء. لم تنته الحرب، وهناك خطر بقاء الفوضى. لذلك قمنا بتحمل مسؤولياتنا حسب الإمكانية". في ظل غياب الدولة، تُمثل المبادرات خليطاً من البراغماتية والارتجالية التي تدعو إلى الذهول. عندما وقع مركز باب السلامة الحدودي تحت سيطرة الجيش السوري الحر في شهر آب 2012، بدأت السلطات الجديدة تستخدم ختماً هو: "الديموقراطية العربية السورية". لم يتم اختيار هذا الاسم الذي يحمل معاني كبيرة بعد نقاشات حامية، فقد قال أحد المسؤولين في المكتب الصحفي على الحدود: "إن المجموعة المُكلّفة بتصنيع الختم في تركيا، هي التي اختارت هذا الاسم".
     ربما تكون العدالة هي أحد أهم القطاعات للسلطات الجديدة، قال أحد تجار الحلويات المجففة: "لو لم يكن هناك هذه المشكلة، هل كان من الممكن أن تحصل هذه الثورة؟ تذكروا أن الشعار الأول كان ضد الظلم، ويعرف المتمردون أنه يجب عليهم أن يكونوا مختلفين". أعلن أحد مسؤولي اللجنة أن المرشحين لدخول اللجنة سيخضعون لعملية اختيار، فصرخ أحد الحلاقين قائلاً: "بالواسطة؟ كما كان الحال سابقاً؟". رد المسؤول بهدوء: سيكون هناك معايير وامتحان. سأل تاجر الحلويات المجففة: "أي نوع من الامتحانات؟". أجاب المسؤول قائلاً: "سيكون هناك أسئلة حول الدين مثل: ما هي الزكاة أو الطهارة". سأل أحدهم قائلاً: "هل سيكون ذلك عدالة إسلامية فيما بعد؟". تتنوع القضايا المطروحة على اللجنة مثل: طلب للسكن والطعام ومنع حرق الأشجار وشكاوى ضد السرقة والخطف، وطلب شخص آخر الحصول على مولد كهربائي من أجل معمله للنسيج.
     يترأس هذه اللجنة (أبو سليمان) الذي يبلغ عمره حوالي خمسين عاماً، إنه إحدى الشخصيات التي كشفت عنها الثورة. إنه من مدينة تل رفعت الواقعة على بعد عشرة كيلومترات شمال حلب، وقد اختار طريق الحرب. يعرف الجميع هنا أن (أبو سليمان) رجل مُتعلّم من عائلة ليست غنية ولكنها تقوم بأعمال الصدقة والتبرع. تم اعتقال والده وشقيقه خلال الثمانينيات، وتعرضا للتعذيب بسبب اتهامهما بالانتماء إلى الإخوان المسلمين. يعرف (أبو سليمان) أن اسم عائلته سيمنعه من الحصول على أي شيء في النظام الحالي، فبدأ بالعمل التجاري في دبي، ودرس القرآن، وأطلق لحيته لكي يوجه رسالة قوية إلى سلطة من المعروف أنها لا تتسامح مع المظاهر الدينية، وتُجبر بعض المعارضين أحياناً على الركوع أمام صورة الرئيس وتكرار: "لا يوجد رب آخر إلا بشار".
     شارك (أبو سليمان) في المظاهرات الأولى قبل حوالي السنتين دون أن يكون هناك إيديولوجية واضحة، واستوحى نموذجه من حركات التمرد العربية والرغبة بإسقاط بشار كبرنامج له. تعرّض (أبو سليمان) للاعتقال فوراً، وتم تعذيبه والإخلاء عنه بعد خمسة عشر يوماً كنوع من التحذير لبقية الناس من حوله. لجأ (أبو سليمان) إلى قبو في إحدى كراجات تصليح السيارات حتى سقوط المدينة. قال (محمد) أحد المحتجين داخل المجموعة نفسها: "كنا نريد في البداية بعض الأشياء المختلفة، ونريد الآن تغيير كل شيء، ولكن لا أحد يقترح أي شيء، ولا يوجد حتى مرشحين ليأخذوا مكان بشار. لقد رفضنا جميع الأحزاب التي تقرّبت منا، وحتى الإخوان المسلمين طرقوا بابنا وقلنا لهم: لا".
     هناك محاكم خاصة في جميع القرى المحيطة بالمدن بالإضافة إلى محاكم بشار، إنها المحاكم التقليدية الإسلامية التي كانت موجودة دوماً في الريف. قال أحد الشيوخ الذي يعملون في هذه المحاكم التقليدية الإسلامية منذ ثلاثين عاماً: "إن أكثر من 70% من الناس هنا يلجؤون طواعية إلى هذه المحاكم لأنهم لا يثقون بالنظام الآخر". لهذا السبب عندما انهار النظام، حلّت المحاكم الدينية مكان المحاكم الأخرى بشكل تلقائي. أكد هذا الشيخ أنه يمارس إسلاماً معتدلاً وأنه لن يقطع الأيدي ولن يرجم النساء، وأنه لم يُجبر أحداً على اللجوء إليه، وأنه يقوم بذلك لأنه كان أكثر نزاهة من الآخرين. وقال أحد الحاضرين: "آمل أننا لن نعود إلى قطع الأيدي، ولكن أعترف بأنني لا أشعر بالصدمة جراء ذلك، ليس أكثر من الأميركي الذي يُعدم على الكرسي الكهربائي أو الفرنسي الذي يقطع رقبة الأشخاص الذين يعتدون جنسياً على الأطفال. من يعرف ماذا سيحصل؟".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق