الصفحات

الخميس، ١٢ أيلول ٢٠١٣

(دمشق بين حربين)

صحيفة الفيغارو 11 أيلول 2013  بقلم مراسلها الخاص في دمشق جورج مالبرونو Georges Malbrunot

     كان المتمردون يأملون بدخول دمشق عن طريق ساحة العباسيين القريبة من جوبر، وذلك عندما تقوم الولايات المتحدة بقصف سلطة بشار الأسد. قام الجيش السوري خلال الأيام الأخيرة بتكثيف ضرباته ضد برزة القريبة من جوبر، وذلك كما فعل مع بقية الحواجز التي يسعى المتمردون إلى إسقاطها في جرمانا والمعضمية حول العاصمة دمشق التي انتشرت فيها الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد. اضطر آلاف المقاتلين إلى الإنسحاب تحت الضغط، ولكن ما زال بعضهم يحفر الأنفاق تحت الشوارع دون كلل. أكد مراقب غربي على اتصال مع التمرد قائلاً: "يقوم متمردو الجيش السوري الحر غالباً باستخدام المعتقلين لديهم لحفر هذه الأنفاق التي تسمح لهم بالاختباء ومفاجأة جنود الأسد أثناء الهجوم عليهم". بإمكان السيارة التنقل في مثل هذه الأنفاق التي يجري بناءها بشكل خاص في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، يمثل هذا المخيم نقطة ضعف أخرى حول دمشق، ويسمح بالدخول إلى الزاهرة والميدان وإلى الطريق المؤدي إلى درعا.
     تحمست المجموعات المتمردة لاحتمال القصف الأمريكي، وقامت أحياناُ بالتنسيق فيما بينها، ولكن بدون التنسيق مع حلفائهم الأمريكيين الذين لا يثقون بهم كثيراً. تشير المعلومات التي حصلنا عليها إلى أن كتيبة لواء الإسلام التي تمثل واجهة جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، قد أعدت ثمانية آلاف مقاتل من عناصرها وأربعة آلاف مقاتل من عناصر جبهة النصرة للتقدم باتجاه دمشق. تم تأسيس كتيبة لواء الإسلام للإفلات من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على جبهة النصرة، لم تكن هذه الكتيبة تسيطر حتى الآن إلا على قريتين في الغوطة التي تعرضت للهجوم الكيميائي بتاريخ 21 آب، ولكن رجالها يتحركون كثيراً، ويعرفون جيداً الاستفادة من غياب الرقابة الأمنية على جميع أنحاء البلد.
     إن راديكاليي جبهة النصرة وتنظيم القاعدة حول دمشق أقل قوة بالمقارنة مع معاقلهم في الشمال بالقرب من حلب أو في الرقة. تعارض بعض المجموعات الإسلامية الضربات الأمريكية، من المستحيل الظهور كـ "متعاونين" مع الولايات المتحدة. ولكن وراء هذه المبادىء تختبىء البراغماتية. أصدرت الجبهة الإسلامية السورية التي تضم 11 كتيبة إسلامية، بياناً قالت فيه أنها تعارض التدخل الخارجي، وأعلنت جبهة النصرة عن الموقف نفسه. ولكن المراقب الغربي المشار إليه أعلاه ابتسم قائلاً: "ولكن في الاجتماعات الخاصة، إن جبهة النصرة ولواء الإسلام والبقية كانوا يأملون بالاستفادة من صواريخ توماهوك الأمريكية". إن الكتيبة الوحيدة التي عارضت بوضوح الضربات الأمريكية هي الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام التابعة لتنظيم القاعدة في العراق وترتبط بالحركة الإرهابية العالمية. ليس هناك أي شك اليوم بأن المتمردين خاب أملهم بسبب تراجع إمكانية حصول الضربات ضد عدوهم. إن يأسهم بعد تخلي الغرب عنهم مرة جديدة، يحمل معه أخطاراً كبيرة.
     كانت الأمم المتحدة في دمشق، قبل الحلقة الأخيرة من الأزمة، تُقدر عدد المقاتلين المتمردين المنتشرين حول العاصمة بعشرين ألف مقاتل تقريباً بالإضافة إلى ألفي مجموعة مسلحة منتشرة في جميع أنحاء سورية، منها 600 مجموعة تضم أكثر من خمسين مقاتل. إن التمرد مشتت جداً، وتتغير تركيبته بشكل مستمر: كانت الأمم المتحدة قبل ستة أشهر لا تحصي إلا 1200 مجموعة متمردة، إذا استطعنا تسميتها بهذا الاسم. حذر دبلوماسي ما زال يعمل في دمشق قائلاً: "لا تستطيع القوى الخارجية إعطاء الأوامر إلى المقاتلين على الأرض. ولكن المقاتلين يستطيعون خلق المشاكل إذا لم يصلهم السلاح والمال من الخارج. وحتى عندما يصلهم المال والسلاح، فإن القوى الخارجية تفقد السيطرة على قنوات اتصالهم المحلية غالباً ". إن غياب التنسيق يحقق مصلحة النظام.
     أكد الصناعي فارس الشهابي الذي غادر حلب منذ أكثر من عام عندما احتل المتمردون القسم الشرقي منها، قائلاً: "كان الخيار العسكري الآخر السماح للمتمردين بالسيطرة على حلب. بهذه الطريقة، يستطيع الأمريكيون والفرنسيون أن يقولوا إلى بشار: لدينا حلب، ولديك دمشق، لنتفاوض الآن في جنيف". هناك خمس محافظات خارج سيطرة السلطة المركزية، ولكنها ليست تحت سيطرة المعارضين المؤيدين للدول الغربية، وما زال هؤلاء المعارضين في موقف أضعف من جبهة النصرة وتنظيم القاعدة والمجموعات الدائرة في فلكها.
     هل هي صدفة؟ منذ أكثر من خمسة عشر يوماً، يرفض المتمردون الإسلاميون الذين يسيطرون على شرق حلب السماح بدخول حوالي خمسين شاحنة للمساعدة الغذائية إلى سكان الجزء الغربي من حلب الذي ما زال تحت سيطرة الجيش. يحاول الهلال الأحمر السوري دون جدوى التفاوض مع جبهة النصرة التي "تسعى إلى خنق هذا الجزء من السكان استعداداً للضربات" كما قال أحد العاملين في المجال الإنساني في دمشق.
     ربما قام قادة جبهة النصرة يوم السبت 7 أيلول بإعدام عشرة جهاديين تونسيين من عناصرها في ريف حلب، عندما شاهدوهم وهم يضعوا علامات على مخازن الأسلحة. هذا ما أكده مراقب غربي استطاع التحقق من صحة هذه المعلومات. ربما كانوا جواسيس داخل جبهة النصرة يعملون لحساب وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA، بهدف توجهة ضربات أمريكية إلى مجموعة تعتبرها واشنطن إرهابية. تؤكد هذه المعلومات النوايا الأمريكية بضرب جبهة النصرة أيضاً من أجل تعزيز المعسكر المعتدل داخل المعارضة المسلحة، ولاسيما في الشمال لأنها بحاجة إلى المساعدة هناك.
     إن اللجوء إلى الإرهاب يزعزع السلطة مثل الضربات الجوية. أقام الجيش بإقامة عشرات الحواجز في دمشق، ولكن المجموعات الجهادية نجحت على الرغم من ذلك بإدخال العديد من السيارات المفخخة قبل الأزمة. لم يتم استخدام جميع السيارات المفخخة في العمليات الانتحارية. تشعر السلطة بالقلق أيضاً من احتمال وجود خلايا جهادية نائمة، ويمكن تفعيلها خلال الضربات. لا يمكن استبعاد الخطر ولاسيما في حال توجيه ضربات قوية وطويلة الأمد، وذلك على الرغم من أن أنصار النظام يؤكدون بأن سيطرته على القلعة الدمشقية تمنع أية هزيمة.
     أسرّ أحد الرعايا الأجانب الذي ما زال مقيماً في دمشق قائلاً: "يكمن قلقي في أن يخسر النظام السيطرة على طريق الخروج باتجاه لبنان، وأن يقيم تنظيم القاعدة أربعة أو خمسة حواجز من أجل القيام بعمليات خطف"، واعتبر أن عدم رفض الأمريكيين للفكرة الروسية بالقضاء على التهديد الكيميائي السوري يعني أنهم "أدركوا في النهاية الحقيقة على الأرض. من المهم أن يكون هناك عملاء لوكالة الاستخبارات الأمريكية CIA على الحدود التركية والأردنية، ولكن يجب عليهم معرفة ماذا يجري داخل البلد. إنهم محقون بمساعدة المتمردين المعتدلين، ولكن من غير المؤكد أنهم سيكونون المستفيدين الأساسيين من الضربات ضد الأسد".
     بالانتظار، لم تخفف السلطة وحلفاؤها من الضغط على المعارضة على الرغم من إطمئنانها بعد المبادرة الروسية. ربما أرسل الروس مؤخراً أسلحة جديدة لتعزيز الدفاع الجوي لدى الأسد. فيما يتعلق بحزب الله الذي ساهم كثيراً في استعادة الجيش للقصير في شهر حزيران، ربما انخرط كثيراً في الدفاع عن العاصمة. قال أحد الصحفيين السوريين: "إنها مسألة حياة أو موت. إذا سقط الأسد، سيكون حزب الله هو الهدف القادم على اللائحة".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق